ومما يسئلون عنه قول الله سبحانه: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17]، يريد آثروا الضلال والغي والهوى؛ على ما إليه دعوا وبه أمروا من الهدى. أفتقولون: إنه كما قال الله، وإنهم آثروا العمى؛ على ما إليه دعوا من الهدى؟ أم تقولون: إنهم لم يستحبوا ولم يؤثروا العمى على الهدى، وإنهم أدخلوا في الهوى، وأخرجوا من الهدى؛ بالقضاء من الله الغالب لكل أحد، الذي لا غالب له؟ فإن قالوا: بل هم الذين استحبوا(1) ودخلوا في الهوى من أنفسهم، وخرجوا من الهدى؛ فقد آمنوا وقالوا بقول الله تعالى في ثمود. وإن قالوا: بل الله أخرجهم من الهدى، وأدخلهم في الهوى؛ فقد كذبوا قول الله، وكفروا به، وضلوا ضلالا بعيدا.
***
ومما يسئلون عنه قوله سبحانه: {ولقد جآءهم من ربهم الهدى} [النجم: 23]، فأخبر سبحانه أن الهدى من الله. وزعمت القدرية أن الضلال بأمر الله(2). وإذا ثبت ذلك فالهدى من رأيهم لا من رب العالمين، لأن الهدى والضلال ضدان، مختلفان متباينان، لا يجتمعان (3) لجامعهما في حالة، ولا يفعلهما فاعل. والقدرية تقول(4): إن الهدى لم يأت العاصين الضآلين من رب العالمين. والله يقول: قد أتاهم الهدى من قبله، وحل لديهم من عنده؛ فتركوه ولم يفعلوه، وخالفوه ورفضوه. فأي القولين أصدق وأحق بأن يقبل؟ أقول الله، أم قولهم؟ بل قول الرحمن الصدق والحق، وقولهم الباطل والمحال والفسق.
***
पृष्ठ 559