فقال الشيخ وهو في أعماقه يخافها ولا يحبها: الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. - ولكنه نسي الدين فيما نسي. - أعوذ بالله!
فقالت بإغراء: هذه هي مهمتك يا شيخ جابر. - يا لها من مهمة شاقة! - لا تكن طماعا. وحظك محفوظ، المهم أن تعلمه كيف يخاف، يكفي هذا.
أدرك لتوه أنها تريده على أن «يعده» لها. لعنها في سره واستغفر ربه، وقال لنفسه إنه ليس من حقه أن يسيء بها الظن استنباطا من نية لا يعلمها إلا الله، وإن مهمته في ذاتها خير يستحق عليه المثوبة. ودهش كثيرون عندما رأوا الفتى يساق كل عصر إلى الزاوية لتلقي دروس في الدين. وقال السذج إنها امرأة شريرة طاغية ما في ذلك شك، ولكنها لا تخلو من جانب خير. أما أمثال رياض الدبش وحلومة الجحش فقد فطنوا إلى اللعبة، وتساءل حلومة بحرقة: متى أراها فريسة للزمن؟!
كثيرون يعيشون بجراح دفينة حفرتها في قلوبهم أظافر المرأة. حظي من حظي منهم بالعشق حين جادت به، وتجرعوا الهجر حين هجرت. وعند ظهور فتى جديد يختال في أبهة النصر يتعزون عن الأسى بتربص النهاية المحتومة. إنها دائما تتربص هناك، لا دافع لها ولا مهرب منها. ولكن متى تخمد نيران تلك الشهوة المتأججة؟! وراحت تكافئ الشيخ جابر على دروسه بكرم، ثم تراقب الفتى وتنتظر ... ودخل في مقام من مقامات الحيرة، وتجلى التساؤل في عينيه، ولم تشأ أن تسأله حتى يبادرها بالسؤال، وقد سألها : أهو صادق فيما يقول؟ أعني الشيخ جابر عبد المعين؟
فقالت بحرارة: الصدق أعز ما يملك في هذه الحياة.
فاشتدت حيرته، ومضى يعرف الحياء، ويداري انفعالاته، ويأسف بعد ارتكاب الخطأ. وحثت هي الشيخ على أن يعفي الفتى من التعمق أو يكلفه بما لا يطيق. إنها تكره العارفين الذين يستشهدون عند كل موقف بما يناسبه من الآيات. إنها ترغب في امتلاك الشاب وتخاف تمرده، وعلمتها حياتها أن القليل من الدين مفيد أما الكثير منه فينذر بالخطورة والغم. وهي مرتاحة إلى نمو رغبته فيها وعذابه الدفين بالتردد والحياء والخوف بعد أن وسع قلبه الرغبة والعبادة في آن. وتمتم أمام شيخه: الله والجنة والنار.
فقال له الشيخ جابر: تدبر ذلك بعقل ناضج تجاوز الطفولة والصبا.
فتساءل في حيرة: والرغبات الجامحة من خلقها؟
فقال الرجل بضيق خفي: هذا هو امتحان الإنسان.
وعلم فيما علم بما ضاع من ماضيه. أي فرد يجهل مستقبله، أما أنا فأجهل ماضي ومستقبلي معا. ماض ليس بالقصير، وحفل ولا شك بأشياء وأشياء. ولم يفطن إلى جو الحقد الذي يلفحه إلا قليلا، فعدا عبدون فرج الله لم يشعر بعداوة مجسدة، ولم يفطن كذلك إلى أن نعمة الله ترصد اللحظة المناسبة لانتزاعه نهائيا من يدي الشيخ عبد المعين. ولكن قلبا واحدا ظل يخفق بالعطف عليه، هو قلب الممرض مخلوف زينهم. تسلل مساء إلى الزاوية، فصلى المغرب، ثم انتحى بالشاب ناحية عقب انتهاء الدرس. لمس التجهم المشوب بالقلق يغشى وجه الشيخ جابر، فغضب وقال له: اخش ربك وحده!
अज्ञात पृष्ठ