وتبادلا نظرة متحدية وبائسة، فانقطعا عن الحوار على أسوأ حال، وفي ذلك الوقت رأيا سميحة - زميلة الطفولة - بعين جديدة ... كانا يريانها من النافذة وهي تذهب وتجيء منفردة أو بصحبة أمها، فتوقظ ذكرى عابرة ثم تختفي. أما ذلك اليوم فرأياها بعين جديدة، رأياها وقد أنضجتها شعلة الصبا فأضفت عليها بهاء وأثرتها بشهد الرغبة، أترع قلب قسمتي برحيق الفتنة فثمل، على حين جن نصيبي بالأخيلة الجامحة. تلقى قلب قسمتي شعاع الحسن كما يتلقى البرعم شعاع الشمس فيتفتح، تمنى لو تحل محل نصيبي من وجوده التعيس، ولأول مرة يشعر بأن نصيبي ليس قيدا فحسب، ولكنه سد منيع في طريق السعادة الحقيقية. أما نصيبي فظل رأسه يتحرك في اضطراب، ولما وجد الفتاة واقفة قريبة من مدخل بيتهما تنتظر، اندفع إلى الطريق جارا معه «قسمتي» ... مرق من الباب إلى الطريق، فرأته سميحة فتراجعت مبتعدة باسمة، ولكنه اندفع نحوها مسددا يديه إلى صدرها ... ففزعت ووثبت داخلة إلى بيتها. ولفتت الهجمة الحيوانية أنظار بعض المارة في شارع «الوايلية»، ولكن قسمتي رجع إلى بيتهم بسرعة وهو يسب ويلعن، والآخر مستسلم له بعد إفاقة مباغتة، وغضب «قسمتي» وصاح به: إنها فضيحة وما أنت إلا مجنون.
فلم يجبه نصيبي مغلوبا على أمره، وعلمت الأم بما حدث فجزعت، ولما عرفت الحقيقة من قسمتي، قالت للآخر: ستهلك نفسك ذات يوم.
فهتف قسمتي: وسوف يهلكني معه دون ذنب.
فقال نصيبي بجرأة: نحن في حاجة إلى زوجة!
فبهتت الأم ولم تدر ماذا تقول، فواصل نصيبي: كما ولدتنا فإنك مسئولة عن تزويجنا من بنت الحلال.
فقال قسمتي: لن توافق بنت على الزواج من اثنين!
فقال نصيبي بتحد: ابحثي لنا عن زوجتين.
فقال قسمتي بحزن: قضي علينا أن نعيش وحيدين!
فقال نصيبي: فلنعتبر شخصا واحدا كما نحن مسجلون في دفتر المواليد.
فقال قسمتي بأسى: شخص للفرجة لا للزواج.
अज्ञात पृष्ठ