فسألها وهو يزداد قلقا: هل يلوح لك أمل من ناحيتهم؟ - أبدا.
ثم متسائلة: لماذا لا تهاجر؟ .. الغلاء يتمادى يوما بعد يوم، وفي الخارج توجد فرص رائعة. - لم تنعدم كل الفرص في الداخل، ها هي مسارح القطاع الخاص تطلب مني أغاني واستعراضات.
فهتفت: كيف تستهين بسمعتك وترضى بالهبوط؟!
وقلنا له صراحة إنه ليس من الحكمة في شيء أن يفكر إنسان في الهجرة وهو يقترب من منتصف الحلقة السابعة، وقال له صادق صفوان: تلبيتك لطلبات القطاع الخاص ستمده بأسباب للارتفاع!
والواقع أنه استجاب لمغريات القطاع الخاص تحت ضغط ظروف المعيشة وارتفاع الأسعار ومسئوليته في الإنفاق على بيتين، وبذل أقصى ما يملك من مهارة ليتجنب الهبوط ولكنه شعر بأن صورته المثالية قد اهتزت في عيني أنوار. وازدادت أرباحه ولكن لاحت في عينيه نظرة شاردة أنذرت بما وراءها وبررت مخاوفنا. وتوقعنا مع جريان الزمن أن تعزف الرباب أنغام الأسى التي ألفنا سماعها من صادق وحمادة. وحملت أنوار في أثناء ذلك مختارة، ولكنها كابدت ولادة متعسرة وأنجبت طفلة ميتة، وقال لنا طاهر: ليس هذا فحسب، ولكنها اقتنعت أخيرا بأنها لن تكون شاعرة وكفت عن المحاولة.
على أي حال فإنها تتقدم كناقدة، وما زال بوسعها أن تحمل من جديد وأن تلد ثمرة حية رائعة. وغلب على طاهر تذكر ماضيه المضيء في ظل حاضره، فتضاعف همه وقلقه، وبدا كأنه يفيق من سحر عشقه وأنه لا يجد في قبضته إلا هواء. وفي ذات ليلة اعترف لنا بصراحته المعهودة قائلا: انتهى صاحبكم!
تطلعنا إليه متسائلين عما يعني فقال: استقل كل منا بحجرة منفردة.
ثم بصوت هامس: ما زالت العلاقة بيننا كأحسن ما يكون.
وعرض على أنوار عمل في مجلة عربية تصدر في لندن، وشعر برغبتها في السفر، فضلا عن أنه لم يجد مبررا للرفض. ولعل صادق صفوان كان الوحيد بيننا الذي قال له: هذا وضع غير لائق.
ورجع طاهر إلى شارع السرايات ليقيم من جديد مع رئيفة ودرية وإبراهيم وحفيدته الجديدة نبيلة، واندفع في ميدان الفن السهل بعيدا عن أنوار التي عذبته فترة كأنها ضميره الغائب، وكان قد أحيل على المعاش ولكن المال جرى بين يديه في فيض ويسر حتى قال لنا ساخرا: أصبحت من أغنياء الانفتاح.
अज्ञात पृष्ठ