فقال صادق: ربنا فوق الكل.
فقال الباشا: عليك أن تستعد لها كما يستعد الحلفاء. - أنا يا سعادة الباشا؟! - الإبرة التي تبيعها اليوم بمليم ستختفي وتجد من يشتريها بخمسة قروش، هل فكرت في ذلك؟ التجارة ليست مجرد شراء وبيع ولكنها فكر وتخطيط.
فنظر إلى قريبه التاجر الأكبر بإكبار وذهول، فقال الباشا: خزن كل سلعة مستوردة .. أسلحة الحلاقة .. الأقلام .. النفاثات .. الحلوى .. كل شيء .. اشتر التراب لتبيعه ذهبا.
هذه هي الحكاية، ونظرنا إليه مستطلعين فقال: خصصت حجرة في شقتي للخزين .. وابتعت بكل قرش يفيض عن ضروريات الحياة الأشياء الرخيصة الثمينة.
فقال طاهر ضاحكا: هكذا تتكون الثروات حقا!
فقال صادق بارتياح: الحمد لله رب العالمين.
وأخذت تنهمر عليه النقود، واحتل الزين باشا في قلبه المنزلة الثانية بعد الله، وجدد أثاث شقته، وبر أمه في شيخوختها فوالاها بالرعاية وزودها بما تحتاج إليه من مأكل وملبس، ولدى أقل شكوى صحية يجيئها بأطباء وسط المدينة متجاوزا أطباء الحي، ولكن ذلك كله لم يخفف من كدره من حياته الزوجية، بل لعله ضاعفه وصعد به إلى ذروة التوتر. وقال له حمادة الحلواني: مثلك يعذر إذا سعى إلى امرأة.
فقال بحزم: ليس لي في الحرام رغبة.
وهو على تلك الحال جاءته ليلى حسن لشراء بعض الأدوات المدرسية، سمراء ممتلئة العود، ساخنة النظرة، مثيرة، محتشمة الزي، أثارت اهتمامه وغرائزه، ولم يكن ممن يحسنون إخفاء الباطن ففضحته، وبغزوتها المباغتة شغلت وعيه طوال الوقت وهو لا يحلم برؤيتها ثانية، لكنها جاءته بعد أيام لتستبضع. فرح بها فرحة انتزعته من تقاليده فقال لها: لست من العباسية فيما أعتقد؟
فتساءلت في دعابة: حضرتك شيخ حارة؟ - أعرف الجميع سواء في الدكان أو في الطريق.
अज्ञात पृष्ठ