فبين بوضوح أن ما تم في السقيفة لم يكن نتيجة لصيغة شرعية مقدسة، وإنما كان تصرفا فرديا مرتجلا سلم الله الأمة من شره، ويؤكد هذا قوله أيضا في شرح قصة السقيفة كما روى البخاري(1): «أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر ». فالمسألة إذا توفيقية ليس أكثر، فلا يصح أن يجعل أحد من أحداث السقيفة مرجعية، أو يشرع على ضوءها قانونا.
الثالث : أن المتحاورين في شأن الخلافة غداة وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء الذين كانوا في السقيفة أو غيرهم لم يستحضروا الاستدلال بما يسوقه المتأخرون من الأدلة، واكتفوا بذكر بعض الاعتبارات الاجتماعية، فرأى الأنصار أنهم الأحق بحجة أنهم أنصار الله وكتيبة الإسلام. فاحتج عليهم أبو بكر: بأن العرب ستتقبل خلافة قريش، باعتبارهم أوسط العرب نسبا ودارا. ولكن بعض الأنصار اقترحوا أن تكون القيادة جماعية، فيكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير. فأبى عمر بن الخطاب، بحجة أنه لا يجتمع سيفان في غمد. ثم حاول أبو بكر التوفيق بأن يكون قريش أمراء والأنصار وزراء، فحضي هذا الرأي ببعض القبول من الأنصار فسلم بعضهم. فكان الأمر كما قال الجاحظ: «إن أبا بكر خاطب قوما كانوا يرون للحسب قدرا، واللقرابة سببا، فأتاهم من مأتاهم، وأخذهم من أقرب مآخذهم، واحتج عليهم بالذي هو عندهم، ليكون أقطع للشغب، وأسرع للقبول»(2).
पृष्ठ 20