Quranic Goals in Surah Qaf
المقاصد القرآنية في سورة «ق»
शैलियों
مستخلص البحث
يُعنى هذا البحثُ بدراسة: (المَقاصِد القُرآنيَّة في سُورة «ق»)، معتمدًا في ذلك على المنهج الاستقرائي الاستنباطي.
وتَكْمُنُ أهميَّتُه في فَضْلِ سُورة (ق) ومكانتِها العظيمةِ بين السُّوَرِ القُرآنيَّةِ، وهو مع ذلك لم يَنَلْ حَظَّهُ في الدِّراسات التي تناولت المَقاصِد القُرآنيَّة؛ على الرغم مِن أهميته في فهم القرآن وتدبُّره.
ويَهدف البحثُ إلى استنباط المَقاصِد القُرآنيَّة من سُورة (ق)، ومعرفة القضايا الجوهرية التي تناولتها السُّورة، والوقوف على سِرِّ قِراءة الرَّسول ﷺ لهذه السُّورة في المجامع الكِبار.
وقد جاء هذا البحثُ في مُقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة:
واختصَّ المَبْحثُ الأولُ بالتعريف بعِلم المَقاصِد القُرآنيَّة، وبيان أهميته.
أمَّا المَبْحث الثاني: فقد كان مقدمة تعريفية لسورة (ق)؛ بِذكر بعض ما يُعِينُ على الكشف عن المَقاصِد القُرآنيَّة.
أمَّا المَبْحث الثالث: (وهو صُلب البحث)؛ فذكر فيه مَقصد السُّورة إجمالًا مع ذِكر شواهده، ثم موضوعاتها الجزئية، ثم التدبُّر المَقاصِدي لآيات السُّورة تفصيلًا.
وخَلَصَ البحثُ إلى أنَّ سُورة (ق) قد تناولت عِدَّةَ موضوعات رئيسة تخصُّ العقيدةَ الإسلاميَّةَ؛ من تقرير أصول الدِّين من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقَدَرِ، وإعطاءِ تَصَوُّرٍ كامل عن حياة الإنسان،
8 / 25
وغير ذلك من المَقاصِد القرآنيَّة المُهَمَّةِ، ولذلك كان الرَّسول ﷺ يَقرأ بها في المجامع الكبار.
ويُوصي البحثُ بضرورة العناية بسورة (ق)؛ تلاوة وتدبُّرًا، وإحياءِ سُنَّةِ رسولِ الله ﷺ في قراءتها في خُطبة الجمعة وصلاة العِيد، ودراسة المَقاصِد القرآنيَّة في السُّوَر؛ خاصَّةً تلك السُّور التي كان الرَّسول ﷺ يُواظبُ على قِراءتها.
الكلمات المِفتاحيَّة: المَقاصِد القرآنيَّة- التَّدَبُّر المَقاصِدي- التفسير- سُورة (ق) - السُّور المكيَّة- المُفَصَّل.
* * *
8 / 26
The Qur'anic Purposes
of Sura Qaf
Prepared by:
Hammad Mohammed Yusuf
Email: mdhammadyusuf ١@gmail.com
Summary:
This piece of research explores the Quranic objectives in the Chapter of Q؟f، depending on the deductive and inductive methods. Its significance lies in the merit of this chapter and its great position among the Quranic chapters، and yet the studies that dealt with the Quranic objectives did not examine it adequately despite its being instrumental in understanding and meditating on the Qur'an.
The research aims to extract the Quranic objectives from the chapter of Q؟f، highlight the key issues that it tackles and find out why the Prophet (Peace be upon him) used to recite it at his major assemblies.
This research includes an introduction، three sections، and a conclusion. The first section defines the study of the Quranic objectives and clarifies its importance. As for the second section، it presents an introduction to the chapter of Q؟f which sheds light on what helps to draw the Quranic objectives. The third section (which is also the crux of
8 / 27
the research) discusses the general meaning of the chapter in question، together with its supporting evidence، its sub-themes and the meditative consideration of its verses.
Main Findings:
The research concludes that the chapter of Q؟f deals with several primary issues related to the Islamic faith، confirming certain religious fundamentals، including belief in Allah (Exalted be He)، His angels، His sacred books، His prophets، the Doomsday، and predestination and gives a complete picture of man's life. That's why the Prophet (Peace be upon him) was always keen on reciting it on formal occasions.
Primary Recommendations:
- Special attention should be given to the chapter of Q؟f in terms of recitation and meditation.
- It should be recited during the Friday Sermon and the Eid prayer to revive the Prophet's established tradition.
- The Quranic objectives of the various chapters should be studied، particularly those chapters which the Prophet (Peace be upon Him) recited regularly.
Key Words: Quranic objectives- meditative consideration-interpretation -the chapter of Qaf- the Meccan chapters-al-mufassal.
8 / 28
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أمَّا بعدُ:
فإنَّ القرآن الكريم هو النور المبين، والحقُّ المستبين، هو حبلُ الله المتين، وصراطه المستقيم، أنزله الله على عباده، ليكون منهاجًا للحياة، ونِبراسًا للهداية، وأمرَهم بالتمسُّك به، وتفهُّمه، وتدبُّره، واستِخراج كنوزه، وإثارة دفائنه، والكشف عن حقائقه، والوقوف على غاياته السامية الكفيلة بمصالح العِباد في المعاش والمعاد، والمُوصلة لهم إلى سبيل الرشاد.
ومِن هذا المنطلق، جاء هذا البحث الموسوم بـ: (المَقاصِد القرآنيَّة في سُورة ق)، ليكون عونًا للقارئ في تدبُّر كلام الله ٥.
أهميَّة البحث:
• تنبثق أهميَّة البحث أولًا من فضل السُّورة التي يتناولها البحث، فسورة (ق)، قد كان النبيُّ ﷺ يقرأ بها في المجامع العِظام، ويواظب عليها تذكيرًا بما تضمَّنت هذه السُّورة العظيمة من أصول الإيمان والعقيدة، وعملًا بقول الله ٥: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾.
• ثانيًا: يستمد البحث قيمته من أهميَّة علم المَقاصِد القرآنيَّة، ودَوره في فهم القرآن وتدبُّره على الوجه الأمثل.
8 / 29
• وأخيرًا: تزداد أهميَّة البحث لعدم وجود أبحاثٍ ودراسات مستقِلة للمَقاصِد القرآنيَّة في هذه السُّورة -خصوصًا-، وقلة الكتابة في مجال المَقاصِد القرآنيَّة -عمومًا- على الرغم من الصَّحوة العِلميَّة في مجال علم المَقاصِد.
أهداف البحث:
يَهدف البحث إلى العناية بالهداية القُرآنيَّة وما أُنزل القرآن لأجله، واستنباط المَقاصِد القُرآنيَّة التي اشتملت عليها سُورة (ق)، ومعرفة القضايا الجوهريَّة التي تناولتها السُّورة، والوقوف على سِر قراءة الرَّسول ﷺ لهذه السُّورة في المجامع الكبار.
كما يرمي البحث أيضًا إلى إبراز بلاغة القرآن الكريم وإعجازه من خلال دراسة المَقاصِد القُرآنيَّة، والوقوف على أهميتها، والإسهام في تطويرها.
الدِّراسات السابقة:
• لم تخلُ كتب التفسير القديمة والحديثة من المَقاصِد القُرآنيَّة على تفاوُتٍ بينها في العناية بها مقدارًا ودلالةً؛ غير أنها في الغالب منثورة في مواطنَ متفرِّقة مِن كتبهم. ولابن القيم كلامٌ نفيس عن سُورة (ق)، افتتح بها كتابه: (الفوائد)، وأفردته بالذكر لكونه من غير مظانِّه.
• كُتبت بعض الأبحاث والرسائل العلميَّة في المَقاصِد القُرآنيَّة عمومًا أو في سُورة معينة (غير سُورة ق)، ومنها:
• المَقاصِد القُرآنيَّة: دراسة منهجيَّة، د. محمد بن عبد الله الربيعة، مجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القُرآنيَّة، العدد ٢٧، (ص ٢٠٧ - ٢٦٢)، تناول البحث موضوع المَقاصِد القُرآنيَّة من الجانبين النظري والتطبيقي،
8 / 30
واستفدتُ منه في الكشف عن المَقاصِد، وطُرُق صياغتها، خاصةً في التدبُّر المَقاصِدي للآيات (^١).
• المَقاصِد القُرآنيَّة في سُورة ص، شيماء غانية، رسالة ماجستير.
• المَقاصِد القُرآنيَّة في سُورة المزمل: دراسة تحليليَّة، أكرم العمر، رسالة ماجستير.
• تناولَتْ بعض الرسائل العلميَّة بعضَ الجوانب في سُورة (ق)، كالجانب الموضوعي واللغوي، وما أشبه ذلك، ومن تلك الدِّراسات (^٢):
• سُورة (ق): دراسة تحليليَّة موضوعيَّة، عبد الله سعداوي، رسالة ماجستير. وهو يَذكر الموضوعات التي تناولتها سُورة (ق) -كما هو ظاهرٌ من عنوانه-، ولا يتناول الذي نحن بصدده -أعني: المَقاصِد القُرآنيَّة-.
• الدِّراسة التحليليَّة لمَقاصِد وأهداف الحزب الثاني والخمسين من القرآن الكريم (سُورة الفتح-الحجرات- (ق) -الذاريات)، نصر سمير رشيد، رسالة ماجستير. وقد ذكرت في بداية الرِّسالة مقدماتٍ تعريفيَّة في المَقاصِد، وسورة (ق). ثم تناولت الباحثة سُورة (ق) في الفصل الثالث الموسوم بـ: (الدِّراسة التحليليَّة لمَقاصِد وأهداف سُورة ق)، وقسمت الفصل إلى ثلاثة مباحث، وكل مبحث إلى عدة مطالب، وتناولت في كل مطلبٍ بعض الآيات، وبينت معاني الكلمات، والمُناسَبة، والمعنى الإجمالي، ومَقاصِد وأهداف النص القرآني. لكنَّ الذي ظهر لي أن طريقة الباحثة أشبه بالتفسير منه إلى المَقاصِد القُرآنيَّة؛ إذ إنها قد ذكرت الفوائد المستنبَطة من الآيات تحت عنوان:
_________
(^١). يُنظر (المطلب الرابع: التدبُّر المقاصدي للآيات) من المبحث الثالث.
(^٢). يُنظر تفاصيل الرسائل الجامعية في ثبت المصادر والمرجع.
8 / 31
(مَقاصِد وأهداف النص القرآني)، ثم شرعت تشرح هذه الفائدة المستنبَطة بذكر الآيات والأحاديث النبويَّة، مما ليس له تعلُّق مباشر بالمَقاصِد، وأهملت النظر في المقصود المباشر للآية.
ولا شك أن المَقاصِدَ غيرُ التفسير، فإنَّ المَقاصِد يُعنى فيها بذِكر مقصد السُّورة إجمالًا، ورَبْط مَقاطِع السُّورة بعضها ببعض، ثم التدبُّر المَقاصِدي للآيات بذِكر المقصود المباشر للآية، مستعينًا في ذلك بمقصد السُّورة، ثم التعبير عن الآية بأسلوبٍ مَقاصِدي، ثم ذِكر هداية الآيات؛ الذي هو المقصود الأهم، كما نبَّه إليه الدكتور محمد الربيعة (^١).
وما هذا البحث إلا محاولة لتطبيق هذا المنهج، عسى أن يفيد الباحثين والمشتغِلين في مجال المَقاصِد القُرآنيَّة، الذي لا يزال يُعاني من غموض المفهوم، واضطِراب المنهج.
وهذا البحث وإن كان يشترك مع البحوث السابقة في بعض القضايا والجزئيَّات، إلا أنه يختلف عنها من حيث موضوعُه أو من حيث طريقةُ تناولِه للمَقاصِد القُرآنيَّة، حيث يتناول هذا البحثُ المَقاصِدَ القُرآنيَّة في سُورة (ق) خاصةً، وبالمنهج الذي مرَّ ذكره آنفًا. أسأل الله أن يُوفقني لما يحبه ويرضاه، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
منهج البحث:
اعتَمد البحث على المنهج الاستِقرائي الاستِنباطي، وذلك عند تتبُّع كلام أهل العلم في مظانِّه من كتب التفسير والمَقاصِد، واستِنباط المَقاصِد القُرآنيَّة منها.
_________
(^١) انظر: المقاصد القرآنية: دراسة منهجية، د. محمد بن عبد الله الربيعة، ص ٢٥١.
8 / 32
خُطَّة البحث:
قسمتُ البحث إلى مقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة:
١ - المقدمة: واشتملت على أهميَّة البحث، وأهدافه، ومنهجه، وخُطته، والدِّراسات السابقة.
٢ - المَبْحث الأول: علم المَقاصِد القُرآنيَّة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف المَقاصِد القُرآنيَّة.
المطلب الثاني: أهميَّة المَقاصِد القُرآنيَّة.
٣ - المَبْحث الثاني: التعريف بسورة (ق)، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: اسم السُّورة، وعدد آياتها، ومرحلة نزولها.
المطلب الثاني: فَضْل سُورة (ق).
المطلب الثالث: ترتيب السُّورة في المصحف، وفي النزول.
المطلب الرابع: المُناسَبات في سُورة (ق).
٤ - المَبْحث الثالث: التدبُّر المَقاصِدي لسورة (ق)، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: مقصد السُّورة.
المطلب الثاني: موضوعات السُّورة.
المطلب الثالث: مَقاطِع السُّورة.
المطلب الرابع: التدبُّر المقاصِدي للآيات.
٥ - الخاتمة: وقد تضمَّنت أهم النتائج والتوصيات.
واللهَ أسأل أن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم، وأن يُوفقنا لخدمة كتابه الكريم، وأن يرزقنا فَهمه، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
8 / 33
المبحث الأول: عِلم المَقاصِد القُرآنيَّة
المطلب الأول: تعريف المَقاصِد القُرآنيَّة
• أولًا: تعريفه باعتِبارها مركبًا وصفيًّا:
١ - المَقاصِد لغةً: جَمْع مَقصَد، وهو مصدر مِيميٌّ مأخوذ من الفعل (قصَد) من باب ضرَب، قال ابن فارس (ت ٣٩٥ هـ): "القاف والصاد والدال، أصول ثلاثة: يدل أحدها على إتيان شيءٍ وأَمِّه، والآخر على اكتِناز في الشيء. فالأصل: قصدتُه قصدًا ومقصدًا. ومن الباب: أَقصَده السهم، إذا أصابه فقَتَل مكانه، وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحدْ عنه، ... ومنه: أَقصَدته حيَّة، إذا قتلتْه. والأصل الآخر: قصَدْت الشيء: كسَرْته. والقصدة: القطعة من الشيء إذا تكسَّر، والجمع قصد. [ومنه قصد] الرِّماح. ورمح قصد، وقد انقَصَد، والأصل الثالث: الناقة القصيد: المُكتنِزة الممتلئة لحمًا، ....، ولذلك سُميت القصيدة من الشِّعر قصيدةً لتقصيد أبياتها، ولا تكون أبياتها إلا تامَّةَ الأبنية" (^١).
ويأتي في اللغة لمعانٍ متعددة: منها استقامة الطريق، والعدل، والاعتماد والأَمُّ، وإتيان الشيء، والتوسُّط، والكسر (^٢).
"قال ابن جِنِّي: أصل مادة (ق ص د) ومواقعها في كلام العرب: الاعتزام، والتوجه، والنهود، والنهوض نحو الشيء، على اعتدال كان ذلك أو جَوْر" (^٣).
_________
(^١). معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (٥/ ٩٥)، مادة (قصد).
(^٢). انظر: لسان العرب، لابن منظور (٣/ ٣٥٣ - ٣٥٧) مادة (قصد).
(^٣). انظر: المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده، (٦/ ١٨٧). وعزاه الزبيدي في تاج العروس (٩/ ٣٦) إلى سر الصناعة، لابن جني، ولم أجده فيه.
8 / 34
ومقصد الكلام: هو أن يتوجَّه الكلام واللفظ إلى معنًى معين أو غاية يريدها المتكلم (^١).
٢ - والقرآن لغةً: مصدر كالغُفران من قرأ ١ - بمعنى (تلا)، بمعنى اسم المفعول؛ أي بمعنى متلوٌّ. ٢ - أو بمعنى (جمَع)، فعلى المعنى الأول: (تلا)، يكون مصدرًا، وعلى المعنى الثاني: (جَمَعَ) يكون مصدرًا بمعنى اسم الفاعل؛ أي: بمعنى جامع؛ لجمعه الأخبار والأحكام (^٢).
وفي الشرع: هو "الكلام المعجِز المُنزل على النبي ﷺ، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته" (^٣).
• ثانيًا: تعريفه باعتبارها عَلَمًا على فنٍّ معين:
المَقاصِد القُرآنيَّة: هي الغايات التي أرادها الله ﷿ في كتابه، أو هو (مراد الله ﷿ من كلامه) (^٤)، وعرَّفها د. عبد الكريم حامدي بأنها: "الغايات التي أنزل القرآن لأجلها تحقيقًا لمصالح العِباد" (^٥).
ويمكن تعريف المَقاصِد القُرآنيَّة بأنها "المعاني الأصليَّة التي نزل القرآن ببيانها وتحصيلها"، وأن نُعبر عن غير المَقاصِد بالمعاني الفرعيَّة، وذلك أن الجزم بأن هذا هو مراد الله من كلامه -مع صعوبته أو استحالته- قد يُظَنُّ به شيءٌ من سوء الأدب مع الله ﷿، والله أعلم.
وعلى كلٍّ، فإن "المَقاصِد القُرآنيَّة" مصطلح حديث لعلمٍ تبلور عبر
_________
(^١). نظرية المقاصد عند الشاطبي، للريسوني (ص ١٩).
(^٢). انظر: أصول في التفسير، لابن عثيمين (ص ٦).
(^٣). مناهل العرفان، لمحمد عبد العظيم الزرقاني (١/ ٢١).
(^٤). انظر: "المقاصد القرآنية: دراسة منهجية"، د. محمد الربيعة (ص ٢١٢).
(^٥). مقاصد القرآن، للحامدي (ص ٢٩). وانظر أيضًا: الموافقات، للشاطبي (٤/ ٢١٨).
8 / 35
القرون، وتراكمت معارفه، ولا يزال ينمو ويتطور وتتشكل معالمه، لذلك لم يحظَ هذا العلم بتعريف جامع مانع؛ لأنه لا يزال في طَور التشكل (^١).
المطلب الثاني: أهميَّة المَقاصِد القُرآنيَّة
تَبْرز أهميَّة المَقاصِد القُرآنيَّة في أنها مفتاح التدبُّر، والتدبُّر هو الغاية المقصودة من إنزال القرآن، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: ٢٩].
وقد ذم الله ﷿ المشركين الذين لا يتدبرون القرآن ولا يفقهونه؛ قال تعالى: ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٧٨]، وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: ٢٤].
وقد قرَّر إمام المَقاصِد الشاطبيُّ ﵀ (ت ٧٩٠ هـ) أن هذا الذَّم إنما هو من جهة أنهم لا يفهمون مراد الله ﷿ من الخطاب، لا أنهم لا يفهمون نفس الكلام؛ لأن هذا ممتنعٌ، فهم عَرَب، والقرآن مُنزل بلسانهم، فهم يعرفون الكلام بمقتضى سليقتهم العربيَّة، لكنْ فرقٌ بين ظاهر المعنى، والمرادِ منه.
ثم قال: "فالتدبُّر إنما يكون لمن التفت إلى المَقاصِد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مَقاصِد القرآن؛ فلم يحصل منهم تدبر" (^٢). اهـ.
ومِن شأن علم المَقاصِد القُرآنيَّة أن يضبط منهجيَّة التعامل مع القرآن بوصفه نصًّا أُنزل لغاية محددة، فتُفهم موضوعاتها في ضوئها؛ لأن معرفة مقصد المخاطِب يؤثِّر في فهم نص الخطاب. ولضبط هذا المقصد الكلي أثرُه
_________
(^١). انظر: مركزية المقاصد عند محمد الغزالي: مقاربة في المفهوم والمصطلح والضرورة، أ. د. محمد زرمان (ص ١٠، ١١).
(^٢). انظر: الموافقات، للشاطبي (٤/ ٢٠٨ - ٢٠٩).
8 / 36
في التأويل، وفهم الآيات وتوجيهها التوجيه الأرجح، وفهم كثير من القضايا الشائكة في التفسير، وحفظ القرآن من التحريف والتأويل والتعسف في التفسير، وليّ أعناق النصوص كالذين يتخذون القرآن مصدرًا لعلوم لم ينزل لبيانها، ويتكلفون في الاستدلال لنظرياتهم وآرائهم الفكريَّة، من القرآن الكريم (^١).
قال الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ): "من فهم باطن ما خوطب به لم يحتلْ على أحكام الله حتى ينال منها بالتبديل والتغيير، ومن وقف مع مجرد الظاهر غير ملتفت إلى المعنى المقصود؛ اقتحم هذه المتاهات البعيدة ...
فكل من زاغ ومالَ عن الصراط المستقيم؛ فبمقدار ما فاته من باطن القرآن فهمًا وعلمًا، وكل من أصاب الحق وصادف الصواب؛ فعلى مقدار ما حصل له من فهم باطنه" (^٢).
* * *
_________
(^١). مقاربات "مقاصد القرآن الكريم": دراسة تاريخية، عبد الرحمن حللي (ص ٢٢٨).
(^٢). الموافقات، للشاطبي (٤/ ٢٢١ - ٢٢٣).
8 / 37
المَبْحث الثاني: التعريف بسورة «ق»
المطلب الأول: اسم السُّورة وعدد آياتها ومرحلة نزولها
* المسألة الأولى: اسم السُّورة (^١):
سُميت في عصر الصحابة بسورة (ق)؛ لافتتاحها بحرف الهجاء (قاف)، مثل: سُورة (طه)، و(يس)، و(ص).
وهو اسمٌ توقيفي؛ لأنه قد وردت في ذلك أحاديث وآثار ثابتة (^٢)، منها ما رواه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد اللَّيثي: ما كان يقرأ به رسولُ الله ﷺ في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ و﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: ١]، [رواه مسلم] (^٣).
وكذلك سُميت بسورة (الباسقات)، لورودها في قوله تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ﴾ [ق: ١٠]، وهو اسمٌ اجتهادي؛ لأنه لم يَرِد في حديث ولا أثر، بل هي من تسمية بعض المفسرين (^٤).
* المسألة الثانية: عدد آياتها وكلماتها وحروفها (^٥):
اتَّفق العلماء أن عدد آياتها خمس وأربعون (٤٥) آية، لا تُعَد فيها (ق) آيةً
_________
(^١). انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٢٧٣)، وأسماء السور وفضائلها، لمنيرة الدوسري (ص ٣٩٦ - ٣٩٩).
(^٢). سيأتي ذكر الأحاديث في المطلب الثاني: فضل سُورة «ق».
(^٣). رواه مسلم في كتاب صلاة العيدين (ح ٨٩١) (٣/ ٢١).
(^٤). انظر: جمال القراء، للسخاوي (١/ ٣٧)، والإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (٢/ ٣٦٢)، وزاد المسير، لابن الجوزي (٨/ ٣)، ونظم الدرر، للبقاعي (١٨/ ٣٩٦).
(^٥). انظر: البيان في عد آي القرآن، لأبي عمرو الداني (ص ٢٣١).
8 / 38
مستقلة. وأمَّا كَلِمها فهي ثلاث مئة وخمس وسبعون (٣٧٥) كلمة، وحروفها ألف وأربع مئة وأربعة وسبعون (١٤٧٤) حرفًا.
* المسألة الثالثة: مرحلة نزول السُّورة (مكيتها ومدنيتها):
هي سُورة مكيَّة عند أغلب المفسرين، ونقل ابن حزم وابن عطيَّة (^١) الإجماع على ذلك.
واستثنى السيوطي (^٢) منها قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق: ٣٨]، ونسبه القرطبي إلى ابن عباس وقتادة (^٣).
وذلك لِما أخرجه الحاكم وغيره أنها نزلت ردًّا على اليهود في قولهم: إن الله استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت (^٤).
يعني: أن مقالة اليهود سُمعت بالمدينة، وألحقت بهذه السُّورة لمُناسَبة موقعها؛ لكن ابن عاشور ضعَّف هذا القول وعدَّه من التكلف (^٥).
المطلب الثاني: فضل سُورة «ق»
سُورة (ق) "أول الحزب المفصَّل -على الصحيح-" (^٦)،
و"قد تضمَّنت
_________
(^١). انظر: الناسخ والمنسوخ، لابن حزم (ص ٥٧)، المحرر الوجيز، لابن عطية (٥/ ١٥٥).
(^٢). انظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (١/ ١٠٢).
(^٣). انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (١٩/ ٤٢٤).
(^٤). المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري (٤/ ٣٩١)، (ح ٣٧٢٨)، و(٥/ ٧) (ح ٤٠٤٥). فيه أبو سعد سعيد بن المرزبان: ضعيف مدلس، وقال ابن معين: لا يُكتَب حديثه، وقال الذهبي في "التلخيص": رواه عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن أبي سعد مرسلًا، لم يذكر ابن عباس. اهـ. فالحديث ضعيف.
(^٥). انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٢٧٤، ٣٢٥).
(^٦). تفسير ابن كثير (١٣/ ١٧٧). وانظر: مصاعد النظر، للبقاعي (٣/ ١٧).
8 / 39
من أصول الإيمان ما أوجبت أن النبي ﷺ كان يقرأ بها في المجامع العظام؛ فيقرأ بها في خطبة الجمعة، وفي صلاة العيد، وكان من كثرة قراءته لها يقرأ بها في صلاة الصبح، وكل ذلك ثابت صحيح" (^١):
• فعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: لقد كان تَنُّورنا وتَنُّور رسول الله ﷺ واحدًا، سنتين أو سنة وبعض سنة، وما أخذت ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ إلا عن لسان رسول الله ﷺ يقرأها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس. [رواه مسلم] (^٢).
• وعن جابر بن سمرة قال: إن النبي ﷺ كان يقرأ في الفجر بـ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ وكان صلاته بعدُ تخفيفًا. [رواه مسلم] (^٣).
• وعن قطبة بن مالك: قال: صلَّيت وصلَّى بنا رسول الله ﷺ، فقرأ: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ حتى قرأ: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ قال: فجعلتُ أُرددها، ولا أدري ما قال. [رواه مسلم] (^٤).
• وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقدٍ اللَّيثي: ما كان يقرأ به رسولُ الله ﷺ في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ و﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: ١]. [رواه مسلم] (^٥).
قال الفخر الرازي (ت ٦٠٦ هـ) عن مُناسَبة قراءة سُورة (ق) في صلاة العيد: "لقوله تعالى فيها: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ [ق: ٤٢]، وقوله: ﴿كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ [ق:١١]،
_________
(^١). درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (٧/ ٦٥).
(^٢). رواه مسلم في الجمعة (ح ٨٧٣: ٥٢) (٣/ ١٣).
(^٣). رواه مسلم في الصلاة (ح ٤٥٨) (٢/ ٤٠).
(^٤). رواه مسلم في الصلاة (ح ٤٥٧) (٢/ ٣٩).
(^٥). رواه مسلم في كتاب صلاة العيدين (ح ٨٩١) (٣/ ٢١).
8 / 40
وقوله: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق:٤٤]؛ فإن العيد يوم الزينة فينبغي أن لا ينسى الإنسان خروجَه إلى عرصات الحساب، ولا يكون في ذلك اليوم فرِحًا فخورًا، ولا يرتكب فسقًا ولا فجورًا" (^١).
المطلب الثالث: ترتيب المصحف وترتيب النزول
سُورة (ق) هي السُّورة الخمسون بترتيب المصحف، وقبلها سُورة الحجرات وبعدها سُورة الذاريات.
وهي السُّورة الرابعة والثلاثون (٣٤) في ترتيب نزول السُّور عند جابر بن زيد، نزلت بعد سُورة المرسلات (٣٣) وقبل سُورة البلد (٣٥) (^٢).
المطلب الرابع: المُناسَبات في سُورة «ق»
* المسألة الأولى: مُناسَبة أول السُّورة بآخرها (^٣):
بدأت سُورة (ق) بذِكر القرآن ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾، وختمت به ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾.
وكذلك بُدئت بذِكر البَعْث في قوله تعالى: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾، وختمت به في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾.
وكذلك ذِكر السماوات والأرض وما بينهما في أول السُّورة: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ...﴾ الآيات، وقال في آخرها: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾.
_________
(^١). مفاتيح الغيب، للرازي (٢٨/ ١٤٥). وانظر أيضًا: مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور، للبقاعي (٣/ ٢١).
(^٢). انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٢٧٣).
(^٣). انظر: مراصد المطالع في تناسُب المقاطع والمطالع، للسيوطي (ص ٦٧)، ومفاتيح الغيب، للرازي (٢٨/ ١٩٢).
8 / 41
* المسألة الثانية: مُناسَبة السُّورة لِما قبلها (سُورة الحجرات):
اعتنى العلماء ببيان مُناسَبات السُّور، وهي مسألةٌ اجتهاديَّة غالبًا، ولذلك تعدَّدت أقوالهم فيها:
فقال الإمام أبو حيان الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ): "ومُناسَبتها لآخِر ما قبلها، أنه تعالى أخبر أن أولئك الذين قالوا: ﴿آمَنَّا﴾ [الحجرات: ١٤]، لم يكن إيمانهم حقًّا، وانتِفاء إيمانهم دليلٌ على إنكار نبوة الرَّسول ﷺ، فقال: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ﴾ [ق: ٢]، وعدم الإيمان أيضًا يدل على إنكار البَعْث، فلذلك أعقبه به" (^١).
وقال البقاعي (ت ٨٨٥ هـ): "مقصودها (أي: سُورة ق) الدلالة على إحاطة القدرة، التي هي نتيجة ما ختمت به الحجرات، من إحاطة العلم لبيان أنه لا بد من البَعْث ليوم الوعيد" (^٢).
وقال الطبرسي (ت ٥٤٨ هـ): "لما ختم الله تلك السُّورة بذِكر الإيمان وشرائطه للعبيد، افتتح هذه السُّورة بذِكر ما يجب الإيمان به من القرآن وأدلة التوحيد" (^٣).
* المسألة الثالثة: مُناسَبة السُّورة لِما بعدها (سُورة الذاريات):
ذكر في سُورة (ق) البَعْث والجزاء والجنة والنار، وافتتح سُورة الذاريات بالقسم بأن ما وعدوا من ذلك صدقٌ وأن الجزاء واقع. وذكر في سُورة (ق) إهلاك كثير من القرون على وجه الإجمال، وذكر ذلك على وجه التفصيل في سُورة الذاريات (^٤).
_________
(^١). تفسير البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي (٩/ ٥٢٨).
(^٢). مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور، للبقاعي (٣/ ١٤).
(^٣). مجمع البيان، للطبرسي (٩/ ١٧٨).
(^٤). انظر: تفسير المراغي (٢٦/ ١٧٣)، وأسرار ترتيب القرآن، للسيوطي (ص ١٣٣).
8 / 42
* المسألة الرابعة: المُناسَبة بين سُورة (ق) وما قبلها من حيث النزول (سُورة المرسلات):
تُعالج سُورة المرسلات موضوع المكذِّبين بيوم الدين بالترغيب والترهيب. وتُتابع سُورة (ق) موضوع معالجة المكذبين بيوم الدين بأسلوب آخر.
وهذه المعالجات الفكريَّة والنفسيَّة التي اشتملت عليها سُورة (ق) إنما هي معالجات تكامليَّة لما جاء في سُورة المرسلات، وليست مكررة تكريرًا تطابقيًّا.
وتضيف إليه سُورة (ق) معالجة المكذِّبين برسالة محمد ﷺ بحجة أنه بشر منهم، ومعالجة نفس الرَّسول ﷺ وتثبيت قلبه، تجاه ما كان يلقاه من تكذيب قومه، وما يواجهونه به من أقوال جارحة (^١).
* المسألة الخامسة: المُناسَبة بين سُورة «ق» وما بعدها من حيث النزول (سُورة البلد):
يدور موضوع سُورة البلد حول الابتلاء الذي هو الغاية من خلق الإنسان، والذي يستتبع باللزوم العقلي، التكليف، والمسؤوليَّة، ثم المحاسبة، وفصل القضاء، وتحقيق الجزاء.
كذلك جاء في السُّورة بيان بعض صوارف النفس عن الإيمان بيوم الدين، فسورة البلد تتابع استِكمال الإقناع بقانون الجزاء الرباني، الذي دار حوله موضوع سُورة ق (^٢).
* * *
_________
(^١). انظر: معارج التفكر ودقائق التدبُّر، لعبد الرحمن حسن الميداني (٢/ ٥٤٦)، و(٣/ ١١).
(^٢). انظر: معارج التفكر ودقائق التدبُّر، لعبد الرحمن حسن الميداني (٣/ ١٧٢ - ١٧٤).
8 / 43
المَبْحث الثالث: التدبُّر المَقاصِدي لسورة (ق)
المطلب الأول: مقصد السُّورة
تُعالج سُورة (ق) -كغيرها من السُّور المكيَّة- موضوعَ المكذبين برسالة محمد ﷺ، وبما جاء به من نبأ البَعْث والحساب، إلا أنها في معالجة البَعْث أظهر (^١).
قال البقاعي (ت ٨٨٥ هـ): "مقصودها تصديق النبي ﷺ في الرِّسالة التي معظمها الإنذار وأعظمه الإعلام بيوم الخروج" (^٢).
• دلائل المقصد:
١ - آية صريحة في المقصد: قال تعالى: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾. والإضراب الانتِقالي من القَسم بالقرآن إلى عرض مقالة المشركين في إنكار النُّبوة وإنكار المعاد، مُشعِرٌ بأهميَّة المنتقل إليه، وأنه محور الكلام.
٢ - مُناسَبة فاتحة السُّورة بخاتمتها: أن السُّورة افتُتحت بالقسم بالقرآن، ثم عرضت شُبهة المشركين في إنكار البَعْث، ثم عقبت الشُّبهة بتقرير قدرة الله في آيات الكون وفي إهلاك المكذبين، وختمت كذلك بتقرير وقوع البَعْث، والأمر بالتذكير بالقرآن، مبيِّنةً بذلك أن القرآن المعجز هو من أوضح أدلة البَعْث، وأن التدبُّر في القرآن من أعظم الطرق الموصلة إلى معرفة الحق.
_________
(^١). انظر: مفاتيح الغيب، للرازي (٢٨/ ١٤٥)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٢٧٥)، ومعارج التفكر، للميداني (٣/ ١١).
(^٢). نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (١٨/ ٣٩٦).
8 / 44