ولنا الشجاعة والبراعة والندا
ولنا العز والإجلال والإعظام
قال صاحب الحديث: فلما سمعت المياسة شعره ونظامه أخذتها الحمية والنخوة العربية وحملت على القوم ونادت: أيها السادة، هلموا إلى الميدان، فهنا يبان فيه الشجاع من الجبان.
قال: فلم يزل إليها فارس بعد فارس وبطل بعد بطل حتى لم يبق منهم أحد إلا برز إليها إلى الميدان، فلم يكن فيهم من قريش من يرد سنانها ولا يلوي عنانها، فتحير منها الفرسان وذهلت منها الأعيان.
وكان في الحي صبي صغير السن يقال له المقداد بن أسود الكندي، وقد كان راعيا يرعى الخيل والجمال ويتعلم على ظهرها الفروسية، وكان لا يرى من يتقاتل من العربان إلا ويقف عنده ويتعلم منهم، وينظر إليهم وإلى طعنهم وضربهم ويتعلم حيلهم ومكرهم وخداعهم، وكان يملأ عدلا من الرمل وينصبه في الميدان ويطرد عليه ويحمله بالرمح ويرميه إلى ورائه فصار ليثا كرارا أو فارسا مغوارا، فنظر ذلك اليوم الأبطال والسادات والرجال وما هم فيه من الحرب والقتال، وقد لبسوا دروعهم وتقلدوا سيوفهم، واعتقلوا رماحهم، ولم ير طارقا يطرقهم، ولا عسكرا يدهمهم، أقبل على أمه وقال: يا أماه، ما لي أرى القوم بأنواع السلاح؛ جاذبين السيوف مكاثرين الصفوف زاحمين الألوف؟
فقالت له أمه: اعلم يا ولدي أن قريشا سادات مكة قد أتوا إلى عمك جابر بن الضحاك يخطبون ابنته المياسة، وأنها قد آلت على نفسها ألا يملكها إلا من يقهرها في ميدان الحرب، وقد برزت قريش إلى الميدان وخرجت المياسة لمبارزتهم، وخرج جابر وقومه يتفرجون عليها. فقال لها المقداد: يا أماه، قد اشتهيت أن أكون معهم حتى ألاعب الصبيان وأبارز الفرسان وأناظر الشجعان. فقالت له: ومن أين لك لأمة حرب وسنان ودرع وحصان؟
وقال: أريد أن تروحي إلى امرأة خالي وتطلبي منها جوادا ولأمة حرب، وإذا انقضى الحرب أرجعته إليها وتكون هي المشكورة على ذلك.
قال فلما سمعت أمه كلامه شتمته وعيرته وقالت له: الحق بجمالك وخل ما ينفعك وأنت راع، فلا يصلح لك أن تبرز إلى الميدان ولا طاقة لك وأنت رجل ضعيف.
فلما سمع المقداد كلامها بكى بكاء شديدا وتحسر حسرات متتابعات، وأنشد يقول:
يا أماه إن نبي الله موسى
अज्ञात पृष्ठ