जीवन की कहानी
قصة حياة
शैलियों
ولا أطيل: أقيم المأتم واقتصر فيه على يوم واحد، وكان مأتما ككل المآتم فلا حاجة إلى كلام فيه ولكن أخى بعد انقضاء الأيام الثلاثة صعد إلى حيث كانت أمى جالسة، وأنبأها أن المأتم تكلف خمسمائة جنيه فدهشت ولم تصدق وقالت إن هذه ثروة ففى أى شىء أنفقها بل بددها فى يوم واحد..
فنادانى وكنت قريبا منهما أسمع وأرى ودفع إلى ورقة فيها أرقام وقال «هذا ابنك يذهب إلى المدرسة ويعرف الحساب فليقل لك جملة الأرقام ماذا تبلغ.. فجمعت الأرقام فإذا هى كما قال خمسمائة جنيه لا تنقص مليما واحدا».
ولم يتغير شىء من حالنا فى الشهرين التاليين سوى اختفاء أبى فقد كان المال الذى تركه كثيرا ولكن أخى بعد ذلك طلق زوجتيه وسرحهما وتزوج جارة لنا كانت عينه عليها - ولا شك - واتخذ لها بيتا مستقلا فاحتجنا أن ننتقل إلى بيت صغير بعد انتفاء الحاجة إلى البيت الكبير الذى كنا فيه فبدأت متاعبنا من ذلك اليوم فقد أهملنا أخى وبخل علينا بالمال وصار يقتر علينا ويغدق على زوجته الجديدة حتى بدد كل ما ترك أبى فى نحو ثمانية شهور.
وكان لجدي أرض وكانت أمى هى الوصية علينا فزور أخى توكيلا منها له وباع الأرض وبعثر ثمنها فيما كان يلهو به ونحن لا نعلم فلما علمت أمى لم تصنع شيئا وقالت إنها لاتستفيد شيئا من أن تنزل به ما يستحق.
وجاء يوم خلا فيه البيت من الطعام واللبن والسكر والسمن فلو جاءنا ضيف لكانت فضيحة وكنت واقفا على عتبة الباب أنظر إلى صبيان الحارة وهم يلعبون فرحين مسرورين لا يكربهم شىء ولا يفكرون في بن أو سكر ينقصهم، وإذا بشيخ فاضل من زملاء أبى فى الأزهر مقبل على ففزعت وهممت بأن أتوارى عنه عسى أن لايرانى فيمضى فى سبيله ولكنه لمحنى فنادانى، وقبلنى وقال «ستك الحاجة: كيف حالها»؟ قلت «بخير ولك الشكر». قال: «اصعد إليها وقبل لى يدها وقل لها إنى أريد أن أقابلها».
ولم يكن فى هذا غرابة، فقد كان أيام الدراسة ملازما لجدى، وكان ربما أقام فى بيتنا - مع أبى - الأسبوع والأسبوعين. وكانت جدتى تعده كابنها، ولكنى أشفقت من زيارته، فما فى البيت شىء يقدم لضيف كريم مثله، فماذا نقول له. وبأى شىء نعتذر.
ولم أر لى حيلة فأنبأت أمى وجدتى، ثم انحدرت إليه وصعدت به فجلس يحدث جدتى وأنا واقف وظهرى إلى الحائط، وعقلى شارد وإذا بى أسمعه يقول إنه كان قد خطف من أبي مبلغا آخر، فثالثا فرابعا ليشترى بذلك أرضا لنا، ولكن الأجل وافى أبى. فبقى المبلغ معه، ولا علم لغير الله بذلك وقد خاف الشيخ أن ينزل به قضاء الله فيضيع مالنا، فهو يريد أن يبرئ ذمته ويرده إلينا.
وقد كانت هذه بداية الفرج، فقد وسعنا بعد ذلك أن نعيش بهذا المبلغ وتيسر الإنفاق على تعليمنا، والفضل لله ثم لهذا الشيخ الكريم، وإنصافا له، واعترافا بفضله، أقول: إنه المرحوم الشيخ إبراهيم بصيلة من كبار العلماء - رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء - فما وسع أحدا منا فى حياته أن يرد له ذرة من هذا الجميل الذى لن ننساه ولا نجحده.
الفصل العاشر
انتقلنا من اليسر إلى العسر، ومن السعة إلى الضيق، واستغنينا عن «عم محمد» وامرأته «حليمة».. أو استغنيا هما عنا، سيان، فما كانا خادمين، وإنما كانا منا فيما نحس ونعلم، وأحكمنا تدبير أمورنا فى حدود المورد الذى أسعفنا به حسن الحظ، وزايلنا الشعور الأول بالسخط والألم، وألفنا حياتنا الجديدة وإن كانت حافلة بضروب الحرمان مما كنا ننعم به فى حياة أبى، وكل شىء فى الدنيا عادة ، حتى النسك والعبادة، كما يقول النواسى، من قصيدة فى ابن الربيع:
अज्ञात पृष्ठ