यूनानी दर्शन की कहानी
قصة الفلسفة اليونانية
शैलियों
وما دمنا قد تعرضنا لمعنى الفلسفة وحدودها، فجدير بنا أن نحاول وضع حد فاصل بين الفلسفة وما عداها من صنوف العلم والمعرفة ونبين عم تبحث، وفيم تتحدث؟ وهل نستطيع أن نضع لها تعريفا جامعا مانعا تجمع على صحته المذاهب الفلسفية المختلفة؟
أما التعريف الجامع المانع فشاق عسير، بل هو متعذر مستحيل في الفلسفة، وإن كان هينا يسيرا في العلم؛ ذلك لأن كلمة الفلسفة لم تستقر على مدلول واحد طوال العصور، إنما اختلف معناها اختلافا بعيدا، كما اختلفت مباحثها اختلافا أبعد، فقد كانت في بدء حياتها أما رءوما تضم إلى صدرها أنواع المعرفة جميعا، ولكن أخذ صغارها - كلما تقادم العهد - يشتد ساعدها وتزداد رشدا، حتى نمت نموا أدى بها إلى اعتزال ذلك الصدر الحنون، والاتجاه نحو الاستقلال في البحث ... فقد كانت علوم الطبيعة والفلك والنفس فصولا من مبحث واحد - هو الفلسفة - فلما اكتمل نموها أصبحت علوما مستقلة كما نراها اليوم، وإذن فتعريف الفلسفة اليونانية لا يصدق على الفلسفة الحديثة بحال من الأحوال.
ومما يزيد الأمر عسرا أن وجهة النظر قد تباينت في المذاهب المختلفة، فكان لكل منها تعريف يلائم وجهة نظرها، فمثلا يعرف بعضهم الفلسفة بأنها «تعرف الموجود المطلق»، وبالطبع ينكر أشياع المذهب المادي هذا التعريف إنكارا تاما؛ لأن ذلك الموجود المطلق المجرد عن المادة ليس له حقيقة في نظرهم، كما يرفضه «سبنسر»؛ إذ يرى أنه - وإن كان ذلك المطلق موجودا حقا - يستحيل على العقل البشري أن يعلم من أمره شيئا، وإذن فمن العبث أن يكون غرضا تنشده الفلسفة، وأخيرا نرى من الفلاسفة المحدثين من يمج هذا البحث ولا يسيغه، فسواء لدى هؤلاء أكان ذلك المطلق موجودا أم غير موجود، وسواء لديهم أكانت معرفته في مقدور البشر أم فوق مقدورهم، فليست تجدي معرفته نفعا، ومن الغفلة أن ببذل الإنسان من وقته وجهده ذرة في هذه السبيل، وينبغي للفلسفة أن تولي وجهها شطرا آخر.
فهذه مذاهب أربعة، ينكر المذهب منها ما يثبته الآخر، فكيف تستطيع أن تؤلف بين هذه المذاهب المتناكرة في تعريف واحد؟ وإذن فلن نسوق إلى القارئ تعريفا للفلسفة؛ لأنه مستحيل أو عسير، وهب أنه هين ميسور، أفلا يكون افتياتا على حقه أن نسارع إلى إثبات التعريف له في طليعة الكتاب دون أن يلم بالمذاهب الفلسفية المختلفة إلماما ما؟ أولم يكن من حقه أن نقدم إليه تلك المذاهب مبسوطة مشروحة، حتى إذا ما فرغ من دراستها كان له أن يشاطر في تكوين الحكم وصوغ التعريف؟ (4) الفرق بين الفلسفة والعلم
ولكن إذا تركنا الآن تعريف الفلسفة فلا أقل من أن نسوق إلى القارئ بعض معالمها التي تميزها عن فروع المعرفة الأخرى كي يستعين بها على تكوين الرأي وفهم الموضوع، ولعل أول ما يخطر من تلك الفروق الأساسية التي تفصل بين الفلسفة والعلوم الأخرى: أن كل علم يلتزم جانبا واحدا من الكون يختصه بالبحث والدراسة، ولا يكاد يمس الجوانب الأخرى، فأما الفلسفة فتتخذ من الكون بأسره موضوعا لدرسها، وهي تنشد توحيد المعرفة ما استطاعت إليه سبيلا، فهذا علم النبات لا يعدو دائرة النبات، وهذا علم الفلك لا يتجاوز أجرام السماء، وتلك الجيولوجيا تقنع بطبقات القشرة الأرضية، وقل مثل ذلك في كل العلوم، أما الفلسفة فلا تكفيها أجرام السماء ولا ظواهر الأرض، بل تتسع وتسعى لتركز الكون كله في قضية واحدة تكون مدار بحثها، فإذا كانت العلوم تجمل ألوف الجزئيات في قانون واحد فإن الفلسفة تحاول أن تجمل هذه العلوم نفسها وتخضعها جميعا لقانون واحد.
ولما كانت العلوم كما ترى لا تتعقب ظواهر الوجود لتردها جميعا إلى أصل واحد، وقف كل منها في بحثه عند حد يرسمه لنفسه، ويتخذه أساسا لدراسته، مسلما بصحته، ولم يحاول أن يسير خطوة واحدة وراء ذلك الحد المرسوم، أما الفلسفة فلا تجيز لنفسها أن تقف في بحثها عند عنصر من العناصر، أو ظاهرة من الظواهر، دون أن تحاول تذليلها وتحليلها، ثم تجاوزها إلى ما بعدها، وهكذا إلى أن تصل إلى المبدأ الأول الذي يدور حوله الوجود بأسره، وإذن فالفلسفة تبدأ سيرها حيث ينتهي شوط العلوم، وهاك أمثلة توضح ما نريد:
يبحث علم الهندسة في قوانين المكان، فعالم الهندسة يفرض وجود المكان، ثم يبني على هذا الفرض قوانينه المختلفة، ولكن هل سمعت عالم هندسة وقف يسائل نفسه ما المكان؟ وهل أجاز لنفسه الشك في أن يكون ثمت مكان في العالم الخارجي؟ كلا، فهو يفرض صحته أولا بحيث لا يحتاج في وجوده إلى الدليل والبرهان، أما الفيلسوف فيبدأ عمله حيث انتهى زميله العالم، فهو يستهل دراسته بهذا السؤال: ما حقيقة هذا المكان الذي فرضه العلم؟ ثم يظل يتابع البحث لعله يدرك حقيقته، كي يؤلف منه ومن ظواهر الوجود الأخرى وحدة شاملة، كذلك تفرض الهندسة طائفة من البدائه لا تجوز أن تكون محلا للجدل والشك: فالكميات المتساوية إذا أضيفت إلى كميات متساوية أنتجت كميات متساوية، والخطان المتوازيان لا يتلاقيان مهما امتدا، وما إلى ذلك مما هو مشهور عند طلاب الهندسة، نعم يصر العلم على أن الخطين المتوازيين لا يلتقيان في كل مكان وفي كل زمان، هما لا يتلاقيان الآن، ولم يتلاقيا يوما منذ الأزل، ولن يتلاقيا يوما إلى آخر الأبد، هما لا يتلاقيان فوق الأرض، ولا يتلاقيان على سطح المريخ أو القمر، بل لا يتلاقيان على الكواكب التي لم يدركها البصر ... ما أعجب العلم في أحكامه! فمن أدراه بهذا؟ وكيف أطلق حكمه هذا في يقين لا يعرف الشك، مع أنه لم ير إلا عددا قليلا من الخطوط المتوازية لا تصلح مطلقا أن تكون أساسا للحكم على كل الخطوط المتوازية فوق الأرض وحدها، وفي هذا الزمان وحده، فضلا عن الماضي والمستقبل، وعن القمر والمريخ وما لا يدركه البصر من الكواكب؟! ولكن هذا الذي أقنع العلم لن يرضي الفلسفة، هي لا تطمئن إلى هذا الركون والركود، ولا تستقر إلا إذا وجدت للظواهر ما يؤيدها تأييدا ثابتا تاما.
وكما يسلم علماء الهندسة بوجود المكان تسليما لا يحتمل الشك، كذلك نرى علماء الطبيعة يفرضون وجود المادة فرضا لا يعوزه الدليل، ثم يقيمون عليها أبحاثهم حتى يخلصوا إلى طائفة من القوانين تتحكم في المادة، فهم يقولون مثلا إن المادة تمتد بالحرارة وتنكمش بالبرودة ... ولكن هل شهدت عالم طبيعة وقف عند المادة وقفة قصيرة يسائل نفسه عن جوهر الوجود المادي، ويتردد كثيرا، ويشك طويلا في وجودها، ويقول باحتمال ألا يكون ثمت مادة إلا في وهم الإنسان؟ كلا، فمنتهى ما يبلغ إليه العلم الطبيعي في بحثه أن يحاول تحليل المادة إلى عناصرها الأولى، فهي كهرباء، أو هي أثير، أو هي ذرات، إلى آخر هذه الفروض التي تقوم كلها على أساس واحد، وهو أن المادة موجودة فعلا وليس في وجودها شك ولا ريب.
وليس هذا التسليم المطمئن قاصرا على علمي الهندسة والطبيعة إنما هو سمة تراها في العلوم جميعا، خذ مثلا آخر: قانون السببية الذي هو من أكثر العلوم بمثابة الأساس من البناء، إذا تحطم الأساس انهار في أثره البناء، ذلك أن العلم يبحث طائفة من الظواهر، فإذا اتفقت كلها على نتيجة واحدة أيقن أن كل ما يطرأ على العالم من ظواهر هذه الفصيلة لا بد أن تنتهي إلى النتيجة نفسها، ما دامت الظروف الملابسة ثابتة لم تتغير: فعلم الحيوان مثلا يقرر أن الجمل حيوان آكل للعشب، وهو لا يقصر الحكم على الجمال التي تعيش بين ظهرانينا، والتي يمكن أن تجرى عليها التجربة، بل يسحب حكمه على الماضي، ويصبه على المستقبل، دون أن تساوره خلجة من الشك في صحة هذا القانون، وكل وثائقه التي يقدمها إليك إن طالبته بالدليل هو أنه أقام التجربة على طائفة كبيرة من الجمال فألفاها تأكل العشب ولا تأكل اللحم، وبناء على قانون السببية لا بد أن يكون كل جمل كذلك بغض النظر عن الزمان والمكان!
سل العلم عن خصائص الماء، يجبك أنه يتجمد في درجة الصفر، وهو كذلك يبني حكمه على قانون السببية، فما دام الماء الذي وقع تحت نظره يتجمد في درجة الصفر فلا بد أن يصدق هذا الحكم على كل ماء في كل زمان وفي كل مكان ... إذن فقانون السببية بديهي عند العلم لا يجوز فيه البحث، وهولا يطيق أن يسمع منك أن هذا القانون قد يكون خطأ من أساسه، ومن الجائز ألا يتسع إلى درجة الشمول المطلق، فهو يلقي بهذه المشكلات الملتوية على عاتق الفلسفة تضطلع بها دونه.
अज्ञात पृष्ठ