यूनानी दर्शन की कहानी
قصة الفلسفة اليونانية
शैलियों
وإذن فقد عادت الفلسفة أدراجها كرة أخرى، واتسمت بالطابع الشخصي، وأصبح مقياس الحقيقة ليس قائما على العقل وهو عنصر عام، بل على الشعور وهو عقيدة شخصية محصورة في الفرد. (5) الطبيعة
وضع الرواقيون أساسا لفلسفتهم الطبيعية وهو: «أن ليس في الوجود غير المادة.» وهذا المبدأ يتفق ورأيهم في المعرفة الذي شرحناه، فإن كانت المعرفة لا تأتي من طريق الحواس فما لم يحس لا يعرف، وكل شيء موجود هو مادة، حتى الروح وحتى الله تعالى، وقد أداهم إلى هذا النظر اعتباران؛ الأول: أن وحدة الوجود تتطلبه، فالعالم واحد ولا بد أن يكون نشأ من مبدأ واحد، فالقول بأن هناك مادة ومثلا كما يقول أفلاطون ينشأ عن وجود فاصل بين الاثنين ليس عليه جسر يعبر عليه بينهما، فيجب أن نقتصر على المادة ونعمل فيها عقلنا، وثانيا - أن الجسم والنفس - والعالم والله متفاعلان، فمثلا الجسم يؤدي إلى أفكار في النفس، والنفس تبعث على حركات في الجسم، وهذه كانت تكون مستحيلة إذا لم يكن الجسم والنفس من عنصر واحد، فالمادي لا يمكنه أن يؤثر في غير المادي والعكس، فلا بد أن يكون هناك اتصال واتحاد في العنصر، وحينئذ يجب أن يكون الكل ماديا.
ثم بحثوا في أساس المادة الذي نشأ عنه هذا العالم، والذي هو أصل لكل التغيرات، فتبعوا في ذلك مذهب هرقليطس القائل بأن النار أساس كل شيء، وأن كل شيء مركب من نار، وقد مزجوا رأيهم المادي بالحلول فقالوا إن الله هو النار الأولى، ونسبة الله إلى العالم كنسبة روحنا إلينا، ونفس الإنسان نار كذلك، وجاءت من النار الإلهية وانبثت في الجسم كله، وكذلك الله منبث في العالم كله لأنه نفس العالم والعالم جسمه.
وعلى الرغم من أن الله منبث في كل شيء في الوجود كما تنبث روح الإنسان في كل أجزاء جسمه، إلا أنه كالروح البشرية أيضا - مع انبثاثها هذا تتخذ لها مستقرا من الجسم يكون مركزا رئيسيا لها، يمتاز عن بقية الأجزاء - كذلك هو مع انتشاره في كل دقائق الكون قد تخير لنفسه مكانا اتخذه مركزا رئيسيا ممتازا، وموقعه من الكون في المحيط الخارجي، وعلى رأي آخر في قلب العالم، ومن ثم تنبعث قواه في كل أنحاء الكون.
لم يكن بادئ الأمر في الوجود غير الله في هيئة النار كما أسلفنا، ثم تحرك الله، أو تحركت تلك النار الإلهية بتعبير أصح، وحولت جزءا منها إلى هواء، ثم جزءا من الهواء إلى ماء، ثم سوى جزءا من الماء أرضا، ومعنى ذلك أن هذا هو الهواء وهذا الماء وتلك الأرض إن هي إلا صور من الله حول نفسه إليها عمدا، وأبقى من نفسه جزءا إلهيا خالصا، لا يزال في أصله الناري، وهو الذي حدثناك عنه أنه مستقر في محيط الكون الخارجي أو في القلب، وهو الذي يبدو لنا كأنه وحده الله، منفصلا عن هذا العالم، يسيره ويدبره، والواقع أنهما جميعا شيء واحد على اختلاف في الكيف والدرجة.
ولكن العالم لن يلبث على صورته هذه إلى الأبد، بل إنه سيعود - إذا سار ما قدر له من شوط - فيتحول إلى نار عظيمة تصهر كل شيء إلى بخار ملتهب كما كان أول الأمر، وسيعود الله أو «زيوس»
Zeus
حسب تعبيرهم فيحتضن العالم في نفسه ولا يكون في الوجود إلا هو في صورة واحدة، ولن يلبث حتى يعود فيخرج مرة ثانية، وهكذا سيتعاقب على العالم حالان: الهدم والبناء إلى ما لا نهاية، ولما كان ذلك يحدث على أساس من النظام والقانون، وليس متروكا أمره فوضى، فإن العوالم المتعاقبة اللانهائية في عددها ستجيئ متشابهة أتم الشبه حتى في أدق التفصيلات، فيقع في كل عالم ما وقع في سالفه من أحداث ويظهر فيه ما ظهر في ذاك من أحياء وأشياء في دقة وضبط، لا يجد الشذوذ إليهما سبيلا، وفيم اختلاف المسبب إن كان السبب هو هو والقانون بذاته لا يتغير ولا يعتريه نقص ولا زيادة؟ ولئن كان العالم هكذا مسيرا بقانون مقدور فهو مجبر على السير في طريق معينة ليس لأي شيء عن السير فيها محيص، بما في ذلك الإنسان.
يتضح مما سبق أنه على الرغم من مادية الرواقيين فقد قالوا إن الله هو العقل المطلق، وهم بهذا القول لم يعدلوا عن ماديتهم لأنهم فسروه بأن النار الإلهية عنصر عاقل، وإذ كان الله عاقلا فالعالم مسير بالعقل والحكمة، ومن هذا ينتج: (1)
أن العالم سائر إلى غاية، يسير نحوها بنظام وجمال وثبات. (2)
अज्ञात पृष्ठ