आधुनिक दर्शन की कहानी

ज़ाकी नजीब महमूद d. 1414 AH
74

आधुनिक दर्शन की कहानी

قصة الفلسفة الحديثة

शैलियों

Fichte

انتهى «كانت» بفلسفته إلى أن للأشياء ظواهر في مقدور الإنسان إدراكها. أما لبابها أو سماه «الشيء في ذاته» فذلك ما يعجز عنه إدراك الإنسان عجزا تاما، فلم يكن بد لمن جاء بعده من الفلاسفة أن يحاولوا جهدهم التغلب على هذه الثنائية التي خلفها «كانت»، فليس من الميسور أن تسلم الفلسفة بوجود عنصر خارج نطاق المعرفة. ومن العسير أن تزعم أن هنالك حقيقة لا تقع داخل حدود الإدراك.

وأول من حاول إصلاح النقص في فلسفة «كانت» هو: جوهان جوتليب فخته

Johann Gottlieb Fichte ، ولد عام 1762م في رامنو

Ramenau

بسيليزيا من أبوين فقيرين، فنشأ كما نشأ «كانت» من قبله في فقر مدقع كما تربى مثل تربيته الدينية التي أخذته بالأخلاق الصارمة، إذ كان يقصد بإعداده أن يكون قسيسا لم يباشر ما أعد له، فقد وهبه رجل من الطبقة الرفيعة ما مكنه من بعض الدراسة العالية في جامعتي يينا وليبزج، ثم اضطر بعد في بعض سني دراسته الجامعية أن يشتغل بالتدريس الخاص ليكسب منه أخشن القوت وأغلظ العيش، ثم غادر حياته تلك إلى مدينة زوريخ في سويسرا حيث عين في وظيفة خاصة في إحدى الأسر الغنية، وقد أحب منها فتاة تزوج بها بعد الرفض والتسويف من أجل عوزه وفقره.

ولعل أقوى ما تأثر به «فخته» مما طالعه في شبابه هو فلسفة «سبينوزا»، ثم اتصل «بكانت» فكان مصدر الانقلاب في حياته كلها، ذلك أنه ذهب إلى كونسبرج «بلد كانت» لزيارة الفيلسوف العظيم، وهناك أخرج «فخته» أول كتاب له «نقد الوحي» ألفه في أربعة أسابيع، وقد حدث أن نشر ذلك الكتاب أول الأمر بغير اسم مؤلفه سهوا من الطابع، فنسبه القراء جميعا إلى «كانت»، فلما عرف مؤلفه الحقيقي ذاع اسم «فخته» ذيوعا واسعا، وتبين فيه الناس خلفا «لكانت» ... وقد عين أستاذا ممتازا للفلسفة في جامعة «يينا»، فكان المحاضر البليغ، والكاتب الفذ. وسرعان ما تسلم زمام الحركة الفكرية في ألمانيا ولبث يقودها زمنا، ولكن شاء حظه العاثر ألا تطول تلك الحياة النابهة أمدا طويلا، إذ كتب في مجلة فلسفية فصلا عرف فيه الله بأنه «النظام الأخلاقي للكون»، فقذفه قوم بالإلحاد الذي كان «فخته» أبعد الناس عنه، فاضطرت الجامعة إلى إقالته من وظيفته لإلحاده الموهوم، ومما يجدر ذكره في صدد إقالته أن «فخته» كان بعد اتهام الناس له بالإلحاد قد لحظ تدخلا من بعض الهيئات في شئون الجامعة وحرية التدريس فيها، فأعلن احتجاجه على ذلك، وقال: لو أيدت الحكومة (حكومة فيمار) هذا التدخل وأجازته، فإنه سيعتزل كرسيه في الجامعة، وأخذ يحرض زملاءه من الأساتذة أن ينحوا نحوه، فكان جواب جوته الشاعر الألماني المعروف، وكان وزيرا عندئذ؛ بأن الحكومة التي تحترم نفسها لا يسعها أن تتقبل من موظف بها مثل هذا التهديد، ثم عمل على إقالة «فخته» من منصبه على الفور، فعين أستاذا للفلسفة في الجامعة الجديدة التي أنشئت في برلين بعد استيلاء الفرنسيين على بروسيا، وكان الفيلسوف يجاهد جهاد الأبطال في إثارة الشعور القومي في مواطنيه بعد هذا الغزو الفرنسي، وأخذ يلقي سلسلة من المحاضرات أطلق عليها اسم «نداءات للأمة الجرمانية»، وقد كانت تلك الخطب في ظاهرها برنامجا جديدا لنظام التربية، ولكن غرضه منها لم يكن يخفى على أحد، حتى توقع «فخته» في كل لحظة أن يساق إلى المحكمة العسكرية الفرنسية لمحاكمته واتهامه وإعدامه، إذ كان «فخته» - على نقيض مواطنيه «جوته» و«هجل» و«شوبنهور» - عدوا لدودا «لنابليون»، وقد قاومه بكل ما أوتي من قوة، وكان عضوا عاملا في الحركة العدائية الواسعة التي ناهضت «نابليون»، حتى أفلحت آخر الأمر في التغلب عليه.

وتوفي «فخته» عام 1814م بحمى انتقلت إليه عدواها من زوجه التي كانت تشتغل وقتئذ في تمريض الجنود الجرحى.

أما مؤلفاته التي أخرجها أثناء إقامته في «يينا» فأهمها: «أساس علم المعرفة» و«الحق الطبيعي ونظرية الأخلاق»، ولكن تلك الكتب لم تنل من الشهرة وبعد الصيت ما نالته مؤلفاته التي كتبها وهو في برلين وأهمها : «غاية الإنسان» و«مميزات العصر الحاضر» و«في طبيعة العالم» و«الطريق إلى حياة النعيم» و«نداءات إلى الأمة الألمانية»، وقد ألقيت أكثر هذه الكتب الأخيرة في محاضرات على عامة الناس، حيث كان الفرنسيون يبسطون نفوذهم على برلين، وكانت أقوى العوامل في يقظة الروح الوطنية. ولعل فيلسوفنا أخلد في عالم الوطنية منه في نطاق الفلسفة، فأكثر مواطنيه لا يذكرون منه إلا وطنيا يشتعل حماسة لبلده وأهله. وقراء «النداءات» الوطنية أضعاف قراء «أساس علم المعرفة».

وكان «فخته» رجلا ذا شخصية قوية ممتازة وعزم ثابت، وقد أوتي بلاغة ساحرة، وجودة في الإلقاء، حتى إنه كان يشعل في صدور سامعيه نارا إذا ما خطبهم في موقف وطنهم السياسي، كما كان طلابه يتأثرون بمحاضراته تأثرا عميقا لما في عباراته من حلاوة البيان، وحسن الإلقاء. وقد قال عنه «كارليل»: «يندر بين الناس من يفوق «فخته» فيما يوحي من إعجاب به. فقد تكون آراؤه صحيحة أو باطلة، ولكن شخصيته كمفكر لا يجحد تقديرها إلا من لم يحسن فهمها.»

अज्ञात पृष्ठ