आधुनिक दर्शन की कहानी

ज़ाकी नजीब महमूद d. 1414 AH
64

आधुनिक दर्शन की कहानी

قصة الفلسفة الحديثة

शैलियों

Lampe » يتبعه حاملا مظلته تحت إبطه.

وكان الفيلسوف ضعيف البنية ضعفا كان يضطره إلى المبالغة في وقاية نفسه من المرض؛ لأنه أيقن أن وقايته لنفسه خير من أن يلجأ إلى طبيب، وبهذا استطاع أن يعمر ثمانين عاما، وقد كتب في سن السبعين مقالا في «مقدرة العقل على السيطرة على شعور المرض بقوة العزيمة»، ومن بين مبادئه الوقائية ألا يتنفس الإنسان إلا من أنفه، وبخاصة إذا كان خارج منزله، ومن أجل هذا كان لا يسمح بتاتا لأحد أن يكلمه وهو في نزهته (لأن الكلام سيدعوه إلى التنفس من الفم)، وكان يقول في ذلك: إن الصمت خير من المرض بالبرد، وهكذا كان كانت فيلسوفا في كل شيء في حياته دق أو جل، حتى إنه كان يتخذ لنفسه طريقة خاصة في ربط جواربه، وكان يفكر في كل شيء تفكيرا طويلا دقيقا قبل أن يقدم عليه، وقد فوت عليه هذا التفكير الزواج ولبث عزبا حتى مات، فقد فكر مرتين في الزواج، ولكنه أطال التفكير في المرة الأولى حتى تقدم للسيدة التي أراد الزواج بها خطيب آخر، وأطال التفكير في المرة الثانية حتى انتقلت من أراد خطبتها من كونسبرج مع أسرتها قبل أن يصل الفيلسوف إلى رأي في الزواج منها. وظل «كانت» مدى حياته فقيرا معتزلا لا يفكر ويكتب، وقد أحدثت كتبه من الانقلاب في عالم الفلسفة ما لم يحدثه أي مؤلف آخر.

نقد العقل الخالص

The Critique of Pure Reason

شغل العقليون والتجربيون أنفسهم بمسألة المعرفة، فذهب الأولون إلى أنها تحصل بواسطة العقل المحض، وبه وحده يحصل العلم بالأشياء، أما بواسطة الإدراك بالحس فمستحيل أن يحصل ذلك، والتجربيون ينكرون تحصيل المعرفة بالعقل المحض ... ولكن لم يتعرض أحد المذهبين لمسألة إمكان المعرفة، فكلاهما وثق بالعقل البشري ثقة تامة، واعتقد في قدرته على معرفة الأشياء، ولكن لما كان هذا الوثوق بالعقل، وبقدرته على تحصيل الحقائق قد انتهى إلى الشك، فقد أخذت الفلسفة تتناول العقل نفسه بالنقد والامتحان.

وبذلك نشأت مسألة جديدة هي: هل تمكن المعرفة؟ وإذا أمكنت فما حدودها؟ لم يبحث العقليون والتجربيون هذه المسألة، بل آمنا بأن لنا قدرة على معرفة الأشياء، إما بواسطة الإدراك بالحس، وإما بواسطة التفكير.

جاء «كانت» فأخضع العقل لهذا التحليل النقدي، وهو لا يريد به أن يهاجم العقل أو أن ينكره، ولكنه أراد أن يتبين إلى أي حد يستطيع العقل الخالص أن يحصل المعرفة، وهو يقصد بالعقل الخالص ذلك الذي لا يعتمد في تحصيل المعرفة على التجربة أو الحواس، إنما ينشئها من تلقاء نفسه إنشاء بحكم طبيعته وتركيبه، وبعبارة أخرى فقد أراد «كانت» بهذا الكتاب أن يرى هل في طبيعة العقل التي فطر عليها ما يمكنه من الوصول إلى بعض المعرفة دون اعتماده على ما تأتي به الحواس من العالم الخارجي.

استهل كتابه بنقض ما ذهب إليه «لوك»، وذهبت إليه المدرسة الإنجليزية كلها، فزعم أن ليست المعرفة كلها مستمدة من الحواس، كما قالوا؛ فلقد انتهت تلك المدرسة بهذه النتائج التي وصل إليها «هيوم» من إنكار وجود العقل، وبعبارة أخرى وجود العلم؛ لأن هذا يقوم على ذلك، إذ يقول «هيوم» بأن عقل الإنسان ليس إلا أفكاره متتابعة متعاقبة، وأنه لا يجوز لنا أن نقطع برأي يقين؛ لأن كل رأي لنا إن هو إلا احتمال وترجيح قد يظهر ما ينقضه وينفيه ... فأجاب «كانت» بأن هذه النتائج الباطلة التي افترضها، إذ زعم أن كل معرفة الإنسان تستقى من أحاسيس منفصلة ومفككة لا تربط بعضها ببعض صلة أو رابطة، فإحساس معين يتلوه إحساس ثان فثالث وهكذا، وطبيعي أن هذه السلسلة المفككة لا تدل على أن هناك تتابعا ضروريا، وقانونا معروفا تسير بمقتضاه الأشياء، وطبيعي إذا سلمنا بهذا أن ننتهي إلى أن التتابع الذي عرض لإحساساتنا في الماضي قد لا يكون هو نفسه في المستقبل، وبذلك تنهدم السببية التي هي أساس العلم، ولا يعود هناك علة لا بد أن يتبعها معلولها.

نعم نحن نسلم أن يقين المعرفة يكون مستحيلا لو كانت كل المعرفة تأتينا من الحس ومن عالم خارجي مستقل عنا لا يد لنا فيما يبعث إلينا من إحساسات على أنه يسير سيرا مطردا لا يقبل الشذوذ، نقول إنه لو كان هذا هو مصدر المعرفة الوحيد لسلمنا بنتيجة «هيوم» من أن يقين المعرفة مستحيل، ولكن ماذا يقول «هيوم» لو بحثنا فوجدنا في أنفسنا معرفة لم تستمد من التجربة الحسية، معرفة نثق بصحتها ويقينها، حتى قبل أن نصادف في الحياة أية تجربة، وقبل أن يستقبل الذهن إحساسا واحدا من العالم الخارجي؟ أفلا تكون الحقيقة المطلقة والعلم المطلق ممكنين وفي مقدور الإنسان؟ وإذن فلنبحث أولا لنرى هل نملك هذه المعرفة المطلقة التي لا تعتمد في وجودها على الحواس والتجربة، أم لا؟ ذلك هو موضوع الكتاب الأول من النقد، وتلك هي المسألة التي قصد إلى بحثها، وقد أورد فيه «كانت» تحليلا بارعا لأصل الأفكار وتطويرها، ولطبيعة العقل المفطور عليها، وهو يقول عن كتابه هذا: «لقد قصدت بهذا الكتاب إلى الكمال، وإني لأقرر في يقين أنك لن تجد مسألة واحدة من مسائل ما وراء الطبيعة إلا ألفيت حلها فيه، أو على الأقل وجدت مفتاحا تستعين به على حلها.»

ولما كانت هذه الأبحاث التي يقدمها «كانت» لا تتخذ موضوع دراستها نفس الأشياء التي تتعلق بها المعرفة، ولكنها تتناول بالدرس عملية التعرف ذاتها، فهي إذن فوق تلك الأشياء وخارجة عن نطاقها، فهي لا تعالج موضوعها على النحو الذي عالجته به المدرسة التجربية التي اقتصرت على أن دلتنا على ما يحدث أثناء قيام العقل بعملية المعرفة، بل هي تبحث فيما هو سابق لتحصيل المعرفة، أعني في الشرط اللازم توفره في العقل، حتى يتمكن من العلم. إن «كانت» لا يبحث في كيف تتم المعرفة، ولكنه يعلو ذلك مرتبة فيبحث كيف يمكن للعقل أن يعرف، ومن هنا أطلق على أبحاثه اسم «ما فوق العقل

अज्ञात पृष्ठ