2
كما فر غيره، ولكنه كان سعيد الطالع؛ إذ وصل إلى شواطئ الفرات سالما بعد جهد وأين، وبينما كان ذات يوم جالسا في خيمته يرقب ابنه الصغير وهو يلعب في فنائها، جرى إليه الصبي خائفا مذعورا، فخرج عبد الرحمن ليتعرف سبب خوفه ، فرأى القرية في اضطراب، ورأى العلم العباسي الأسود يرفرف في الأفق، فاجتذب ابنه في عجلة وفر من القرية، ووصل إلى النهر فقذف بنفسه ومن معه فيه، واقترب الأعداء إلى شاطئ النهر وصاحوا بهم أن لا بأس عليكم فلن يصيبكم منا أذى، فصدقهم أخ له صغير كان معه وكان قد أجهدته السباحة، فذهب إليهم فاحتزوا رأسه في التو والحين، ولكن عبد الرحمن طفق يجاهد حاملا ابنه ووراءه خادمه بدر حتى وصل إلى الشاطئ الآخر، فلما وضعت أقدامهم على اليابسة أخذوا يسيرون ليلا ونهارا حتى بلغوا إفريقية حيث تبعه بقية أهله هناك، وحيث وجد ذلك الناجي الوحيد من الأمراء الأمويين وقتا للتفكير فيما يكون في غده.
كانت سنه إحدى وعشرين سنة، وكان كبير الأمل طموحا، وكان يتحلى إلى سداد الرأي بامتداد القامة، والوسامة، والقوة والشجاعة، ويضيف بعض مؤرخي العرب إلى هذه الصفات ما لا نحب أن يتصف به بطلنا، كالعور، والخشم.
3
وكان قومه يتحينون له ملكا بالمغرب، ويرون فيه علامات لذلك،
4
وهو الآن على الرغم مما أصاب قومه من الهلاك قوي العزيمة غير مستكين، وقد اتجه نظره إلى إفريقية أولا؛ لأنه رأى أن قوة العباسيين لم تدع له فرصة في الشرق،
5
فلما بلغها بقي سنين هائما على سواحل البربر، تحقق في خلالها أنه لا يستطيع التغلب على أمير إفريقية،
6
अज्ञात पृष्ठ