विश्व में साहित्य की कहानी (भाग पहल)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
शैलियों
ثم إن تغير الوسيلة التي يقيد بها الأدب - من المشافهة والرواية إلى التقييد بالكتابة - يدفع الأدب في سيره إلى الأمام، فالكتابة هي التي ستنتشل الأدب الأوتوقراطي، والأدب الديمقراطي من بعده، من أصوله البدائية إلى مكان أسمى ومنزلة أرفع.
في هذا العصر الأوتوقراطي نجد الأمم المتمدنة القديمة قد عرفت التمثيل، وأدارته حول موضوعات دينية وأساطير خرافية فاضت بها الروح الأدبية أكثر مما كانت في العصور القبلية - نجد ذلك في «بابل»: فكان الملك والكهنة يشاركون في الحفلات الدينية، التي كانت نوعا دينيا من المسرحية، وكان المعبد يقوم مقام المسرح، وكان لمصر القديمة كذلك رقص وموسيقى، وكان لها مسرحيات دينية تصطبغ بصبغة العقائد المقدسة، ولم يكن الكهنة وحدهم هم الذين يقومون بالتمثيل في هذه الروايات، بل كان العامة يشاركون فيها أيضا - وكان لليونان القديمة التي وصفها هوميروس الشاعر، أعيادها المقدسة تقام فيها حفلات التمثيل والرقص والغناء.
كل ذلك على نمط أرقى مما كان عليه البدو أيام بداوتهم.
كما نرى الشعر يتطور في هذا العصر الأوتوقراطي، سواء في ذلك الشعر الغنائي الذي يعبر عن العواطف أو الشعر القصصي كشعر الملاحم؛ فأغاني الحرب والزواج ترتقي في أسلوبها وعاطفتها وتصبح أكثر تجانسا وانسجاما؛ ونرى شعر المغنين المحترفين آخذا مكان شعر العامة، أعني أن الشعر الذي يقصد الشاعر إلى إنشائه، ويحتفل لإنشاده، آخذ في الحلول محل الشعر الذي تولده المصادفة؛ وأصبحت صولة الجمال وانصقاله بالحضارة يعمل في الشعر بالنمو والتزايد والصقل؛ ورأينا الشاعر يأخذ في التعبير عن الحياة الإنسانية الباطنة - حياة العاطفة - وعن الحياة الإنسانية الظاهرة - حياة الخلق والسلوك - وأخذت البحور والأوزان تتنوع وتتعدد بسبب نمو الخيال المبتكر ودقة الأذن الموسيقية.
وكذلك الشعر القصصي، فهو يبلغ ذروته في هذا الطور الأوتوقراطي، ويرجع ذلك إلى السلطان المطلق، والتملك التام، والثروة الوافرة؛ فلا شيخ القبيلة في الطور القبلي، ولا الرئيس في الطور الديمقراطي، يملكان مثل هذه السيطرة المطلقة. فكثير من الأمم في هذا الطور كان يعتقد أن الملك يستمد سلطانه من الله لا من الأمة، فتصبح هذه الفكرة شعارا جديدا للأساطير الدينية والخرافات والتهاويل، ويصبح هذا الحاكم المتصل بالآلهة والأبطال الماضين رمزا تنسج حوله أقاصيص التقديس والتبجيل، وعلى الأخص حين يكون هذا الملك بطلا في فنون الحرب، بصيرا بأساليب القتال؛ ومن هنا ينشأ شعر القصص أو شعر الملاحم.
أما النثر الفني في هذا الطور الأوتوقراطي فينشأ حول النصوص الدينية وحكايات السحر والخطابة والرسائل وقصص الجن، ويتسع مداه وموضوعاته أكثر مما كان في العصر القبلي، ويرتقي في الشكل والقالب، وفي الفكرة والموضوع والخيال. نشاهد ذلك في أقاصيص بابل وأساطيرهم، وفي أساطير الهند، وفي قصص المصريين كقصة خوفو والسحرة، وفي أساطير اليونان.
وكان النثر الأوتوقراطي أصعب في الإنشاء من الشعر، ويبدو ذلك جليا من قلة التراث النثري إذا قيس بالتراث الشعري، لأن قواعد موسيقية النثر الفني لم تكن مضبوطة، بل هي حتى في أزماننا ليست مضبوطة مفصلة. ويبدو أن بابل قد فاقت الهند ومصر واليونان الأولى في فن إنشاء الرسائل، كما فاق النثر المصري في باب تحليل الشخصيات. •••
وأخيرا تأتي الديمقراطية ويتنوع فيها النشاط الاقتصادي، وتتعدد صوره أكثر مما كانت، وينشأ رجال يستكشفون ميادين جديدة للحصول على الرزق فيكدسون المقادير الهائلة من الثروة، فينعكس كل ذلك على أوضاع الأدب، كما ينشأ رجال مليئون بروح المغامرة، يزورون الأقطار البعيدة، ويتصلون بثقافتها الفكرية؛ هؤلاء الرجال المغامرون المفكرون لا يرضيهم أن يظلوا في تفكيرهم خاضعين لسلطان حاكم مطلق يبسط على الجميع نفوذه، فيعملون على دك صرح الأوتوقراطية، ويجدون أتباعا يعاونونهم على هدم هذا النظام ووضع أسس النظام الديمقراطي الجديد. وهذا النظام الناشئ قائم على تقدير ذاتية الفرد واستقلاله، فيكون لهذا الاتجاه أثره السريع في الأفكار الجديدة، والمخترعات الجديدة، والصناعات الجديدة، والأوضاع الأدبية الجديدة.
فإن كان الأدب القبلي محدودا بحدود الإقليم، لأنه أدب قوم يعتقدون أنهم يجمعهم أصل دموي واحد، وكان الأدب الأوتوقراطي لا يصطبغ بهذه الصبغة الإقليمية، ولكنه يمجد الطبقة الحاكمة، فالأدب الديمقراطي يعنى بشخصية الفرد المتميزة وذاتيته المتفردة، ويقدر شخصية كل فرد؛ عظيما كان أو وضيعا. فهذا تدرج في الأدب نحو تقدير الفرد وذاتيته، تبع تدرج المجتمع نحو هذا الغرض نفسه.
فالأدب الديمقراطي الحق هو تعبير عن التسامح والعطف، والسماح لحرية الرأي بالظهور. وهذا الأدب الديمقراطي ينبت - أولا - في جماعات يسود فيها النظام الأوتوقراطي فيتكون فيها جماعة من الأدباء والمفكرين ينقدون بيئاتهم ونظمهم الاجتماعية، وينادون بنظام خير من هذا النظام الذي تتحكم فيه طبقة خاصة، فيكونون هم طلائع الأدب الديمقراطي.
अज्ञात पृष्ठ