واندس الحاج تحت الغطاء وأخذت ذبالة المسرجة تقرقع وتئز، فاضطرب الحاج وأخذ يطن بين شاربيه قائلا: «لماذا تقرقع؟» إنه سيئ، ومع ذلك فقد وضعت ما يكفي من الزيت، لماذا تئز هذه الذبالة؟ ... المهم ألا تشتعل النار في الدكان.
5
هكذا وصل الحاج إلى الشيخوخة، وكانت حياته سلسلة متصلة من العذاب، فهو لم يكن يأكل أو يلبس تقريبا، وكان يعيش بغير نار وبغير وجبات ساخنة وبغير حب لأحد، يرتعد عندما يمس شبح ساقيه ويرتج بابه في النهار، ويقوم بكافة الأعمال، ويلوح بالليل في حجرته وفي ضوء الشمعة كشبح عظمي.
وفي أيام شيخوخته لاحظ أن تجارته في الأشرطة تتدهور؛ فصفى الدكان وباع كل شيء. «لقد كسبت مع ذلك لقمة العيش بالعمل المضني من سن الثامنة إلى سن الستين.»
ولكن هذا الشيخ الذي لم يكن له من أصدقاء وأطفال وزوجة غير النقود المدخرة والمخبأة بعناية، كانت تطارده فكرة وحيدة تسيطر على كافة أفكاره الأخرى، وتنزل الاضطراب بسعادته. «إن الرب يرى كل شيء، ويعطي كل إنسان جزاءه ... نعم! يرى كل شيء ... ولكن ماذا يرى في الحقيقة؟ إنني لم أسرق أحدا، ولم آخذ مال الآخرين، إنه يرى كل شيء، ويعطي كل إنسان وفق ما يستحق.»
وتذكر الحاج الأيقونات والعبارات التي سمعها في الكنيسة، فلماذا يعتبر الغني آثما ما دام لم يسرق ولم يضرب أحدا؟ وإذا أعطى الأغنياء كل يوم للفقراء، فإن الفقراء سيغتنون والأغنياء سيفتقرون، وماذا يمكن أن يكسب الرب من ذلك ؟ وجسم الحاج لم يطلب قط المرأة، وشفتاه لم تلامسا قط طفلا، ومعدته لم تشته أطباقا شهية، ومع ذلك فإنه مقضي عليه ألا يرى في الأبدية وجه الرب المشرق.»
وذات يوم لم يعد الشيخ يستطيع مقاومة أفكاره، فاتخذ قرارا خطيرا «نعم ... نعم، سأستجلب محبة الرب ... سأذهب إلى الحج في الأماكن المقدسة! أية تضحية بعد هذه؟ ... الأماكن المقدسة؟ ... حيث توجد غابة الصليب المقدس ... ويستطيع الإنسان أن «يسرح» بمن لم يحجوا باسم هذه الغابة المقدسة ... ولا بد أن جميع الغابات هناك مقدسة.»
وسافر العجوز للحج وعاد بلقب حاج، ولكن أكثر قذارة منه عندما سافر، وفي كل مرة طلب إليه أن يصف الأماكن التي زارها، كان يرد بالحديث عن المعجزات التي تجري في غابة الصليب المقدس، فقد رأى بعينه مرضى بالجذام تشفيهم الغابة المقدسة، فيكفي أن تمس جروحهم قطعة صغيرة، بل صغيرة جدا من خشبها لكي تندمل الجراح، ويعود الجلد أملسا في المواضع التي لم تكن من قبل غير هبر دامية، وراهب معتزل عاش عشر سنوات دون أن يأكل شيئا مكتفيا بأن يشم رائحة الخشب المقدس، كما أن مجنونا استرد عقله عندما مست جبهته قطعة من الخشب المقدس.
وبينما كان الحاج يقص تلك المعجزات، ويرسم الصليب باستمرار، كان يبيع قطعا من الخشب المقدس للعجائز والأرامل.
ومع أنه قد سعد سعادة غامرة بعودته إلى كنف الرب، وغبطته باسترداده المال الذي أنفقه في الحج، بل وتحقيق بعض الأرباح، فإنه مع ذلك كان يزمجر ويدور ببصره في كل ناحية قائلا: «يا لها من تجارة رابحة وعمل مجز وثروة يمكن جمعها! فخشب غابة الصليب يباع خيرا من الأشرطة! ومنذ أربعين عاما لو أن دكانا اتخذ بيعها تجارة؛ لجرى الذهب إلى خزينته كالطوفان، وأما الآن فالعالم يسوء يوما بعد يوم ... والإيمان يندر ... آه يا إلهي! يا إلهي!»
अज्ञात पृष्ठ