عندما هفهف لباس الليل، كانت الورود تصغي لصوت وشوشة الريح الخفيف، وزقزقت العصافير ابتهاجا، وكان القمر بدرا جميلا يلقي ضوءه الفاتن على الموجودات.
قفز «محمود» من السرير في همة ونشاط، وأخيرا يالسعادته وهنائه، قد حل اليوم المنتظر، يوم زواجه من حبيبة الصبا «حنان/سلمى»، تلك العزيزة الصابرة، التي تحملت كل فقره، وصبرت عليه بعد أن ظل يطوق إصبعها الأيمن بدبلة الخطوبة خمس سنوات كاملة.
خمس سنوات من المماطلة والتسويف! (تجاهل هذا السطر.)
أبدل ملابسه، وتضمخ بعطر فاغم، ثم خرج ليقابل محبوبته «حنان/سلمى»، هيفاء دعجاء القوام إذا مشت، ريا الروادف، بضة المتجرد، يتمشيان على ضفة النيل، وتتشابك أيديهما وهما يخططان للمستقبل المشرق الذي سيغدو واقعا عما قريب ...
بالحديث عن المستقبل!
هل تعتقد أن قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين كانوا على صواب عند موافقتهم على مشاركة السلطة مع المجلس العسكري! أنا أعتقد أن الاتفاق كان مجحفا ولم يلب طموحات الثوار، وأنها مكيدة ما من العسكر حتى لا يسلموا السلطة للمدنيين، وشراء الوقت الكافي لتفتيت الثورة بهدوء، لا شيء يحميهم من المساءلة القانونية عن مسئوليتهم المباشرة أو الضمنية عن مقتل المتظاهرين سوى الحصانة، لن يسلموا رقابهم بهذه السهولة.
ألا تظن؟
تعلمت منذ زمن أن لا أثق بالعسكر أينما كانوا، لم أستطع قط ابتلاع مبدأ أن تنزع عن شخص ما، هبته الربانية التي تميزه عن الدواب، وتجعله إنسانا، استقلالية رأيه، وتفرده، وحريته في التفكير واتخاذ القرار لتصنع منه آلة مبرمجة على القتل والتدمير، وإطاعة الأوامر بلا نقاش، حتى وإن تعارضت تلك الأوامر مع كل ما يؤمن به ويعتقده، لا خير يرتجى من مثل هذا.
عندما تقرأ في الصحف عن أخبار تخصيص مبالغ فلكية من الميزانية العامة للدولة للتسليح العسكري، لا بد أن تقف مع نفسك للحظة وتتسائل: إلى من يوجه هذا السلاح بالضبط؟ متى كانت المرة الأخيرة التي قاتلنا فيها عدوا خارجيا؟ متى كانت المرة الأولى؟ على قدر علمي هم لم يقوموا بتوجيه سلاحهم إلا تجاه وطنهم وبني جلدتهم!
كل هذه الأموال من جيبك أنت، من مال ضرائبك، وما تنفقه على رسوم المعاملات الحكومية، يتم توجيهها لإسكات شخص واحد، هو أنت، وأنت فقط، أنت من تشتري عبوة الغاز المسيل للدموع التي تخنقك، وأنت من تمول الرصاصة التي ستقتلك، أو تقتل أخا آخر لك في هذه الرقعة الجغرافية المنهكة من سوء الإدارة، وغباء الساسة!
अज्ञात पृष्ठ