قفزت من مكاني بسرعة لأعبر الطريق، فجأة سمعت صوت البوق العالي يخترقني، وصوت الصرير المزعج للإطارات؛ إذ يحتك بالأسفلت في قوة، وتصاعدت بعض الشهقات وأصوات صرخات محذرة.
التفت مبهورا لأرى شاحنة بيضاء تتوقف على بعد سنتميترات قليلة من وجهي، وغمرتني الرائحة المزعجة للمطاط المحروق.
تجمدت في مكاني رعبا. - «يابن الش...»
قفز السائق النحيل وهو يشتط غضبا، أمسك ياقتي قميصي وراح يهزني وهو يصرخ ويشتمني بلا انقطاع.
لم أكن أسمع شيئا، كان وقع الصدمة قويا، تثلجت أطرافي، وغشيتني الأصوات كهمهمات مبهمة من واد بعيد، عندما استعدت روعي كان المكان يعج بالطلاب والعابرين الذين توقفوا يرمقون المشهد في استمتاع، وقد بدت الحسرة على وجوه البعض بعد أن كانوا يمنون أنفسهم برؤية بعض اللكمات والدماء.
تدخل بعض فاعلي الخير، بعد أن شلت الحركة في الطريق، وراح بعض سائقي السيارات يطلقون البوق في إلحاح، وراحوا يهدئون من روع السائق الغاضب، ويخلصونني من بين مخالبه، مع الكثير من «قدر ولطف» و«لا إله إلا الله» لفض الحفل.
هنا رأيت السائق يتصلب فجأة، ثم بدا يتصبب عرقا، نظر لي بعينين زائغتين وارتجفت أصابعه وهو يشير ناحية شاحنته ويحاول قول شيء ما، ثم سقط مغشيا عليه أمامي.
من الوهلة الأولى فهمت كل شيء، قفزت ناحية الشاحنة بسرعة ورحت أجول بعيني فيها، فتحت خزنة القفازات، كما توقعت بالضبط، كانت حقنة الأنسولين هناك، ملتفة بإحكام بكيس بلاستيكي شفاف، التقطتها بسرعة، وعدت أدراجي، عريت ذراعه وحقنته بها.
مرت دقائق ثم فتح عينيه متسائلا عما هنالك، ودقائق أخرى حتى نهض إلى شاحنته بقدمين كالعجين وهو يدعو لي ويشكرني، ودهور حتى انفض الحفل.
تنفست الصعداء والتفت فرأيتها تقف هناك، ترمقني بعينين دامعتين لامعتين، لم تجرؤ على الاقتراب ولم تستطع الذهاب.
अज्ञात पृष्ठ