لم يكن ذلك الإنذار ورقة تهمل، بل كان إيذانا بحرب شعواء، بين عزيز وأمه وزوجها. وعرف شحاتة هذا الإنذار، حين رجع لموعد الغداء، فاستشاط غضبا وقال: لا بد أن يتم عقد القران هذا الأسبوع.
فلما رجع إلى عمله، بعد أن استراح من غذائه، لم تطق رجاء صبرا، فأخذت سيارة أجرة، وذهبت إلى مسكن ولدها، ودخلت عليه غرفته، فلما رآها تراجع مأخوذا بلقاء لم يكن يتوقعه. وأسرعت إليه أمه، فألقت بنفسها عليه، وأخذت تقبله، وقد كست دموعها وجهها، وهي تقول: وترفض أن تراني أنا ياعزيز؟! ترفض أن ترى أمك؟! إن أكن قد أخطأت فإني أستميحك العفو والمغفرة. نعم يا ولدي، هبني عفوك ومغفرتك. إنك لا تعلم كم تألمت لسكوتك عن الرد على خطاباتي إليك بالعراق، وكنت أرجو يوم تعود أن ألقاك، وأن نتفاهم. أما وأنت مصر على موقفك مني، فأنا عند ما تريد. ألقيت إليك مقاليد أمري، ووضعت بين يديك مصيرنا جميعا. فاحكم فينا، فأنت منا مكان أبيك!
سمع عزيز هذا الكلام، فبلغ منه التأثر غاية مداه، فأقبل على أمه يقبل يديها، ويقول لها: بل أنا الذي أستغفرك يا أماه! ولكني لن أرضى أن تتزوج شقيقتي من هذا الشاب طمعا في ثروة أبيه، فاسم أبينا أكرم من كل ثروة، وأنا لا أطيق أن أسمع اسم السيد شحاتة، وهو الذي غصبك مني، فأدى ذلك بي إلى أن نفيت نفسي من وطني كل هذه السنين!
وألقت رجاء ببصرها إلى الأرض حين سمعت هذا الكلام، ثم قالت: «ولكن لي منه بنتا هي أختك!»
قال عزيز: «ذلك ما يزيدني ضغنا عليه، وكراهية له!»
لم ترد رجاء أن تتابع هذا الحديث، بعد أن شعرت بأن عزيزا أخذ يعود إليها، ويصغي قلبه إلى أمومتها. فجعلت تسأله عن العراق، وعن حياته فيه. وطال حديثهما، وسرقهما الوقت، فإذا المساء يقبل، وإذا رجاء لا تستطيع مع ذلك أن تغادر مجلسها بجانب ولدها. وإنهما لكذلك، إذ فتح الباب ودخل شحاتة، وعيناه تقدحان الشرر.
لقد أذن لزوجته أن ترى ابنها قبل أن يوجه إليهم هذا الإنذار المهين له. أما وقد وجهه، فزيارتها إياه اشتراك منها مع ابنها في إهانته. فإن رأت أن ترجع إلى بيته، فلتقم معه لفورها، على ألا ترى عزيزا من بعد أبدا!
وقع هذا الكلام على الأم وقع الصاعقة، فاضطربت نظراتها بين زوجها وابنها، ثم ارتمت بينهما وهي تقول: رحمة بي أنا الأم البائسة المسكينة! عزيز ابني، وابنتك الطفلة البريئة الصغيرة ابنتي ... أنا أمهما جميعا. رفقا بي! حرام عليكما تعذيبي!
لكن غضب شحاتة لم يكن يعرف حدا. لقد بدأ هذا الغضب في نفسه منذ عاد إلى بيته فلم يجد به زوجته، وأيقن أنها ذهبت إلى ابنها في مسكنه. ثم استمر هذا الغضب ينمو ويزداد ويتفاقم حتى ملك عليه كل صوابه. لذلك صاح برجاء: اختاري بيني وبين ابنك هذا؟!
قالت رجاء بصوت خنقه البكاء: لا خيار لي! والموت أحب إلي من هذا الخيار!
अज्ञात पृष्ठ