واستدار العام، منذ ولد ابن مرزوق، فإذا حفلة أخرى تقام لابن سوسن، وإذا جنان تصبح جدة بالفعل، ومرزوق يصبح جدا بالتبعية. ثم لا يمنع ذلك جنانا من أن تشعر وهي ترضع ابنها، بأنها لا تزال في حيوية الشباب ونضارته.
وفي السنوات الخمس التالية، رزقت سوسن بنتا وابنا، وأصبحت بذلك أما لثلاثة أولاد، ولم ترزق جنان غير ذلك الغلام الذي استعانت على حمله وولادته بسيدي المغاوري وبالقديسة ماري جرجس!
وفتح الله باب الرزق لسوسن وزوجها، وابتسم لها الدهر، فنثر الورد والرياحين في طريق حياتهما. وبدأ أطفالهما يملئون البيت عليهما غبطة ومرحا ويشعرونهما بسعادة لا تعدلها سعادة. وأخذت سوسن تظهر مع زوجها في المجتمعات الأنيقة، وتقص على أمها الحين بعد الحين ما ترى فيها ...
ومالت أمها إلى مثل هذا اللون من الحياة، فأفضت إلى مرزوق برغبتها، فأقاما في دارهما حفلة جمعا فيها نخبة من أهل العاصمة، مصريين وأجانب. وأتاح ذلك لهما أن توجه إليهما الدعوة لكل حفلة يقيمها المصريون أو يقيمها الأجانب بالقاهرة.
وكانت سوسن تبتسم أحيانا، حين ترى أمها في هذه الحفلات معتمدة على ذراع الدكتور مرزوق، والبشر والسعادة يفيضان من ملامحها، وتزداد سوسن ابتساما يوم ترى أمها في هذه الحفلات وقد أتقنت صبغة شعرها، وبدت وكأنها لا تزال في الثلاثين من سنها، رغم خطوط مست بها الكهولة جبينها، وكادت تتخطاه إلى وجناتها!
وكلما رأت سوسن أمها بالغت في العناية بزينتها، حرصت على أن تجعل من شبابها تاج كل زينة، وأن تبدو في بساطة، تتألق بحكم سنها بهجة ونورا ...
وكثيرا ما تندر بعضهم بهذه المنافسة بين الأم وابنتها، وقد ذكروا في أثناء تندرهم كيف أخذت الأم خطيب ابنتها، وأولعت به غراما! وكان بعض هذا التندر يبلغ سوسن فلا تعبأ به. لقد بسم الزمان لها ولزوجها وبنيها، فليقل من شاء ما شاء، فلن يجني قول على سعادتهما ولن ينقص ما أسبغه الله عليها، وعلى زوجها وبنيها، من نعمة وعافية! •••
وإن سوسن لفي متاعها بهذه النعمة السابغة، وفي سعادتها بمحبة زوجها إياها، محبة كلها الشعر بأعذب ألحانه وأنغامه، وفي طمأنينتها إلى هؤلاء البنين، يتخطون متن الحياة على هون، ناجحين في دراستهم، فخورين بأبويهم؛ إذ مرض هذا الأب العزيز والزوج الوفي، مرضا حار الأطباء في تشخيصه، وانقطعت سوسن لتمريضه، فلم يعد أحد يراها في المجتمعات والحفلات، ولم تعد دارها مضيئة كعهد الناس بها، منذ أفاء الله على أصحابها الثراء والنعيم. بل خيمت عليها سحابة من كآبة كانت ترتسم على وجوه الأطفال أبنائها، وتحول بينهم وبين ما ألفوه من مرح ومسرة!
وطال بالرجل الشاب المرض، فنقل إلى المستشفى، وأقامت سوسن إلى جواره، وكانت أمها تزورها الحين بعد الحين، تسأل عن صحته، وترجو له الشفاء والعافية.
وكان الدكتور مرزوق يزور المستشفى كل يوم لهذا الغرض.
अज्ञात पृष्ठ