وقضيت شهورا ثلاثة في هم ونكد لا هم ولا نكد مثلهما، كنت أبكي إذا أصبحت، وأبكي إذا أمسيت. كنت أشعر بأنني فقدت كل مسوغ لحياتي، ولولا ابنتاي لفكرت في الانتحار!
وإنني لفي همي وفي كمدي، إذ بلغني أن مطلقتي تزوجت ذلك الجزار الذي رأيته وعليه الصديرية التي طرزتها يداها. وتتبعت أخبارها، فعلمت أن هذا الشاب الجزار يضربها ويهينها، فلا يزيدها ضربه ولا تزيدها إهانته إلا تعلقا به وعبادة له. ولا يزيدني ما أعلمه من ذلك إلا حسرة وندما، وبكاء على حب وهبته كل قلبي، فحطمته حبيبتي تحت قدميها بغير شفقة ولا رحمة، من أجل شاب جزار جميل!
أتم عارف قصته، فبكت «طيبة» وأمعنت في البكاء، فلما سألها ما يبكيها؟ قالت: إن قصتك مثل قصتي يا سيدي ... لقد تزوجت، وأحببت زوجي حب العبادة ... أحببته هذا الحب الذي قصصت علينا الآن نبأه، أحببته واحتملت في سبيل حبي له كل شيء ... كنت أراه مع صديقاتي فلا يزعجني ذلك، إذ كنت موقنة بأنه عائد إلي لا محالة. وكان لا يستحي من أن يجيء ببعض صديقاته معه إلى منزلنا، فأدعه لهم وأخرج، حتى لا يشعر أبناؤنا الثلاثة بأنني أطيق ذلك وأسكت عليه. وكان من هاتيك المستهترات بنات بلد بارعات الجمال، لا أدري إن كن قد بلغن من هذه البراعة ما بلغت زوجتك أم لا ... وكنت أعاتب زوجي أحيانا، فيهينني ويضربني، فأحتمل منه ذلك، لأنني أحبه وأعبده، ولم يكفه ضعفي أمامه ومحبتي له، بل تزوج إحدى هاتيك النسوة من بنات البلد. عند ذلك نفد صبري. ولقد كنت مستعدة لأن أطاوله، لعل رشاده يعاوده، لكن هذه المرأة اللعوب التي تزوجها خشيت هذه المطاولة، وخشيت أن تنتهي عبادتي لزوجي بالتغلب عليها، فالتمست عنده كل أوجه الحيلة ومنها المغاضبة، ثم الاسترضاء، حتى نزل على إرادتها، فطلقني. ومبالغة في النكاية بي، أخذت وثيقة الطلاق، وجاءت بنفسها ودفعتها إلي، ثم انصرفت وعلى فمها ابتسامة الظافر. وتركتني كما تركتك زوجتك، وقد تقلص كل أمل لي في الحياة، لولا حرصي على مصير أولادي، وخشيتي أن يحطم هذا الجاحد الخئون مستقبلهم!
كان الحاضرون عند جيران عارف يصغون إلى قصته وإلى قصة «طيبة»، وكلهم الدهشة والعجب، فلما فرغت طيبة من حديثها، قالت سيدة من الحاضرات: أما وأنتما ضحيتان لحوادث متشابهة كل التشابه، فلماذا لا تتزوجان؟
وقال الحاضرون جميعا: «نعم الاقتراح، وكلنا نؤيده.»
أمسكت «طيبة» بطبيعة الحال فلم تقل شيئا ولم تعترض، واستمهل عارف أصحاب الاقتراح، ليشاور في هذا الأمر أهله.
قالت «طيبة»: «أما أنا فلست في حاجة إلى مشاورة، فإذا خاطبتني في الموضوع يوما، فكرت فيه بنفسي.»
وإنما أراد عارف أن يشاور قلبه، فهو لا يزال مقيما على حب مطلقته رغم ما صنعته، لكنه أشفق على طيبة إشفاقه على نفسه.
ثم إنه أفضى بالقصة كلها إلى أخته وإلى زوجها فقال له هذا الزوج: أنا أؤيد الذين اقترحوا أن تتزوج من هذه السيدة، وسيربط بينكما ما أصابكما، ويكفل لكما حياة سعيدة مطمئنة!
فلما انصرف عارف، سألت أخته زوجها عما دفعه لإبداء هذا الرأي، فذكر له أنه يخشى أن يطلق الجزار مطلقة أخيها، فيعود عارف إليها، يعبدها من جديد، بعد أن خانته ولوثت سمعته.
अज्ञात पृष्ठ