مقدمة
الحمد لله الذي لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا يجزئ أنعمه العاملون؛ المحمود على السراء والضراء، والشدة والرخاء، الذي نبتت بأمره الأشجار، واستقلت بقدرته الأقطار، وزخرت بقوته البحار، وهطلت بمشيئته الأمطار.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده، ورسوله إلى خلقه، وأمينه على وحيه؛ أرسله برسالاته، فبلغ ما أمر بتبليغه، وجهد لربه، ونصح لأمته، وعبد إلهه حتى أتاه اليقين، جاهدا مجتهدا، ناصحا صابرا، محتسبا متعبدا حتى أقام دعوة الحق، وأظهر كلمة الصدق، ووحد الله جهارا، وعبده ليلا ونهارا، ثم قبضه الله إليه، وقد رضي عمله وتقبل سعيه، وشكر أمره؛ فعليه أفضل صلاة المصلين، وعلى أهل بيته الطيبين، ثم نقول من بعد الحمد لله والثناء عليه، والصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(1):
اشتهر الامام الشافعي بأن له قولان: القول القديم عندما كان بالعراق، والقول الجديد عندما انتقل الى مصر، وكان الاختلاف بين القولين شاسعا، وتعدد في كثير من المسائل، ومثله الامام أحمد بن حنبل؛ قد نقل له تلامتذته وأئمة المذهب الحنبلي في بعض المسائل روايتان، وقد ينقل أيضا عن الامام مالك أن له قولين، ولكن ليس بالوسع والاشتهار الذي تمتع به الفقه الشافعي أو الحنبلي.
وهذا الاختلاف في الحكم لمسألة واحدة عن إمام واحد؛ يدل على البعد عن التعصب لرأي واحد ولو كان الظاهر أن الحق غيره، ويدل أيضا على أن هؤلاء الأئمة كانوا كثيري البحث والمطالعة لما توفر من أدلة أو أحكام، ووضعوا اجتهاداتهم فيما لم يرد بشأنه نص بحسب تغير الزمان أو المكان.
وليس المذهب الزيدي ببعيد عن هذا الحقل؛ بل إنه يتعدى هذا الموضوع ليتفوق على بقية المذاهب الإسلامية؛ ليصير لبعض أئمة المذهب الزيدي قولان في مسألة واحدة؛ فكأنه مذاهب في إطار مذهب واحد.
पृष्ठ 2