بسم الله الرحمن الرحيم

مقالة فى قوانين صناعة الشعراء للمعلم الثانى

| مقالة فى قوانين صناعة الشعراء للمعلم الثانى

|| مقالة فى قوانين صناعة الشعراء للمعلم الثانى

قال:

पृष्ठ 149

قصدنا فى هذا القول إثبات أقاويل وذكر معان تفضى بمن عرفها إلى الوقوف على ما أثبته الحكيم فى صناعة الشعر، من غير أن نقصد إلى استيفاء جميع ما يحتاج إليه فى هذه الصناعة وترتيبها، إذ الحكيم لم يكمل القول فى صناعة المغالطة فضلا عن القول فى صناعة الشعر، وذلك أنه لم يجد لمن تقدمه أصولا ولا قوانين حتى كان يأخذها ويرتبها ويبنى عليها ويعطيها حقها على ما يذكره فى آخر أقاويله فى صناعة المغالطين. ولو رمنا إتمام الصناعة التى لم يرم الحكيم إتمامها — مع فضله وبراعثه — لكان ذلك مما لا يليق بنا. فالأولى بنا أن نومى إلى ما يحضرنا فى هذا الوقت من القوانين والأمثلة والأقاويل التى ينتفع بها فى هذه الصناعة.

فنقول: إن الألفاظ لا تخلو من أن تكون: إما دالة، وإما غير دالة. والألفاظ الدالة: منها ما هى مفردة، ومنها ما هى مركبة. والمركبة: منها ما هى أقاويل، ومنها ما هى غير أقاويل. والأقاويل: منها ما هى جازمة، ومنها ما هى غير جازمة. والجازمة: منها ما هى صادقة، ومنها ما هى كاذبة. والكاذبة: منها ما يوقع فى ذهن السامعين الشىء المعبر عنه بدل القول، ومنها ما يوقع فيه المحاكى للشىء — وهذه هى الأقاويل الشعرية.

पृष्ठ 150

ومن هذه المحاكية ما هو أتم محاكاة، ومنها ما هو أنقص محاكاة. والاستقصاء فى الأتم منها والأنقص إنما يليق بالشعراء وأهل المعرفة بأشعار لسان لسان ولغة لغة، ولذلك ما يخلى عن القول فيها لأولئك — ولا يظنن ظان أن المغلط والمحاكى قول واحد، وذلك أنهما مختلفان بوجوه: منها أن غرض المغلط غير غرض المحاكى، إذ المغلط هو الذى يغلط السامع إلى نقيض الشىء حتى يوهمه أن الموجود غير موجود وأن غير الموجود موجود. فأما المحاكى للشىء فليس يوهم النقيض، لكن الشبيه. ويوجد نظير ذلك فى الحس، وذلك أن الحال التى توجب إيهام الساكن أنه متحرك، مثل ما يعرض لراكب السفينة عند نظره إلى الأشخاص التى هى على الشطوط، أو لمن على الأرض فى وقت الربيع عند نظره إلى القمر والكواكب من وراء الغيوم السريعة السير — هى الحال المغلطة للحس؛ فأما الحال التى تعرض للناظر فى المرآئى والأجسام الصقيلة فهى الحال الموهمة شبيه الشىء.

وقد يمكن أن تقسم الأقاويل بقسمة أخرى وهى أن نقول: القول لا يخلو من أن يكون: إما جازما، وإما غير جازم. والجازم: منه ما يكون قياسا، ومنه ما يكون غير قياس. والقياس: منه ما هو بالقوة، ومنه ما هو بالفعل. وما هو بالقوة: إما أن يكون استقراء، وإما أن يكون تمثيلا . والتمثيل أكثر ما يستعمل إنما يستعمل فى صناعة الشعر. فقد تبين أن القول الشعرى هو التمثيل.

وقد يمكن أن تقسم القياسات، وبالجملة الأقاويل ، بقسمة أخرى ميقال: إن الأقاويل إما أن تكون صادقة لا محالة بالكل، وإما أن تكون كاذبة لا محالة بالكل، وإما أن تكون صادقة بالأكثر كاذبة بالأقل، وإما عكس ذلك، وإما أن تكون متساوية الصدق والكذب. فالصادقة بالكل لا محالة هى البرهانية، والصادقة بالبعض على الأكثر فهى الجدلية، والصادقة بالمساواة فهى الخطبية، والصادقة فى البعض على الأقل فهى السوفسطائية، والكاذبة بالكل لا محالة فهى الشعرية. — وقد تبين من هذه القسمة أن القول الشعرى هو الذى ليس بالبرهانية ولا الجدلية ولا الخطابية ولا المغالطية، وهو مع ذلك يرجع إلى نوع من أنواع السولوجسموس أو ما يتبع السولوجسموس — وأعنى بقولى: « ما يتبعه »: الاستقراء والمثال والفراسة، وما أشبهها مما قوته قوة قياس.

पृष्ठ 151

وإذ قد وصفت ما تقدم، ذكره فخليق بنا أن نصف الأقاويل الشعرية وأنها كيف تتنوع فنقول: إن الأقاويل الشعرية: إما أن تتنوع بأوزانها، وإما أن تتنوع بمعانيها. فأما تنوعها من جهة الأوزان فالقول المستقصى فيه إنما هو لصاحب الموسيقى والعروضى، فى أى لغة كانت تلك الأقاويل، وفى أى طائفة كانت الموسيقى. وأما تنوعها من جهة معانيها على جهة الاستقصاء. فهو للعالم بالرموز والمعبر بالأشعار والناظر فى معانيها والمستنبط لها فى أمة أمة وعند طائفة طائفة، مثلما فى أهل زماننا من العلماء بأشعار العرب والفرس الذين صنفوا الكتب فى ذلك المعنى وقسموا الأشعار إلى الأهاجى والمدائح والمفاخرات والألغاز والمضحكات والغزليات والوصفيات وسائر ما دونوه فى الكتب التى لا يعسر وجودها، مما يستغنى عن الإطناب فى ذكرها.

فلنرجع إلى إبتداء آخر ونقول: إن جل الشعراء فى الأمم الماضية والحاضرة الذين بلغنا أخبارهم خلطوا أوزان أشعارهم بأحوالها ولم يرتبوا لكل نوع من أنواع المعانى الشعرية وزنا معلوما — إلا اليونانيون فقط: فانهم جعلوا لكل نوع من أنواع الشعر نوعا من أنواع الوزن، مثل أن أوزان المدائح غير أوزان الأهاجى، وأوزان الأهاجى غير أوزان المضحكات، وكذلك سائرها. فأما غيرهم من الأمم والطوائف فقد يقولون المدائح بأوزان كثيرة مما يقولون بها الأهاجى إما بكلها وإما بأكثرها؛ ولم يضبطوا هذا الباب على ما ضبطه اليونانيون.

पृष्ठ 152

ونحن نعدد أصناف أشعار اليونانيين على ما عدده الحكيم فى أقاويله فى صناعة الشعر ونومىء إلى كل نوع منها إيماء فنقول: إن أشعار اليونانيين كانت مقصورة على هذه الأنواع التى أعدها وهى: طراغوذيا، ديثرمبى، وقوموذيا، وإيامبو، ودراماطا، واينى، وديقرامى، وساطورى وفيوموتا، وافيقى، وريطورى، وايفيجاناسوس، وأقوستقى.

أما طراغوذيا فهو نوع من الشعر له وزن معلوم يلتذ به كل من سمعه من الناس أو تلاه، يذكر فيه الخير والأمور المحمودة المحروص عليها ويمدح بها مدبروالمدن. وكان الموسيقاريون يغنون بها بين يدى الملوك؛ فاذا مات الملك زادوا فى أجزائها نغمات أخرى وناحوا بها على أولئك الملوك.

وأما ديثرمبى فهو نوع من الشعر له وزن ضعف وزن طراغوذيا يذكر فيه الخير والأخلاق الكلية المحمودة والفضائل الانسانية؛ ولا يقصد به مدح ملك معلوم ولا إنسان معلوم، لكن تذ كر فيه الخيرات الكلية.

وأما قوموذيا فهو نوع من الشعر له وزن معلوم تذكر فيه الشرور وأهاجى الناس وأخلاقهم المذمومة وسيرهم الغير المرضية. وربما زادوا فى أجزائه نغمات وذكروا فيها الأخلاق المذمومة التى يشترك فيها الناس والبهائم الصور المشتركة القبيحة أيضا.

पृष्ठ 153