99
من فضة خالصة، وجعل في السكك زنانير
100
من حرير محكمة الصنعة ، ثم عمل فرشا من أدم ينفخ بالمنفاخ حتى يمتلئ هواء ويصير حشية من أدم وريح، فإذا انتفخ أحكم شده، وألقي في الفسقية على سطح الزئبق، وشدته زنانير الحديد إلى حلق الفضة، وينزل الأمير على ذلك الفرش في بركة الزئبق، فلا يزال الفرش يرتج ويتحرك بحركة الزئبق ما دام عليه ... فإذا كانت الليالي القمرية كان ثمة منظر عجيب، حين يتألف نور القمر بنور الزئبق، وتنسرح الروح بين السماوين مصعدة في أودية الأحلام، ولا يزال الزئبق تحت الأمير يرتج ويتحرك. •••
ذلك كان شأن خمارويه في مصر منذ عاد من غزاته مظفرا، قد ثبت له الأمر في مصر والشام والثغور، ودعي له على منابر الموصل والجزيرة، أما أمر الدولة يومئذ في بغداد فكان مختلفا جدا، فلم يكن ثمة دار الذهب، ولا بركة الزئبق، ولا قبة الهواء، ولا ملاعب السباع، ولا برج الساج، ولاخرجات الصيد والطرد ... لا شيء إلا الأمير السجين في عداوة بني طولون يكاد يخرج من جلده غيظا، وإلا أبوه الكهل قد أنضاه طول السفار لمجاهدة أعداء الدولة على أطراف البادية، وإلا الخليفة المعتمد بين الندمان والقيان يترشف ثمالة الكأس، وإلا ولده وولي عهده من بعده «جعفر المفوض» لا يكاد من خموله وضعف همته يجري له ذكر على لسان أو يطيف بخاطر إنسان، وقد خلت خزائن الدولة فليس فيها أبيض ولا أصفر إلا مخلفات للذكرى قد بقيت في الخزانة من أيام منشئ الدولة أبي جعفر المنصور.
وبدا لكل ذي عينين أن دولة الخلافة قد أشرفت على الآخرة، على حين كان اسم بني طولون يتردد صداه قويا بين أربعة أقطار الدولة الإسلامية.
ولكن أبا أحمد الموفق على ما به من جراح وما في قوته من وهن، لم يكن قد يئس بعد، بل لعله كان في ذلك اليوم أعظم أملا في تجديد شباب الدولة، وكذلك كان ولده أبو العباس، وإنه لحبيس بين أربعة جدران.
11
أهل هلال شعبان من سنة 277، فلم يلبث في الأفق إلا لحظات ثم غاب، وأخذ الظلام يتسحب على بغداد وما حولها ، فما ثمة نور يلمح إلا خلجات من شعاع النجم البعيد يتراءى على ماء دجلة كأنه خط من صحيفة، وإلا أضواء متناثرة تلوح وتخفى من خلل نوافذ الدور وراء أستارها، وفى جنح الليل كان قائد من قواد الطولونية على رأس جيش من الفرسان والرجالة في طريقه إلى بغداد، ولكن أحدا من حماة المدينة لم يعترض طريقه؛ إذ كان في يد قائده جواز من الموفق يأذن له في المرور.
وبلغ الجيش ميدان العرض من حاضرة الخلافة، فترجل القائد وترجل فرسانه وضرب الجند فساطيطهم، وكان أبو أحمد الموفق غائبا لم يزل في بلاد الجبل،
अज्ञात पृष्ठ