وبدا للناظر من بعيد أن الدولة الإسلامية العظمى قد أوشكت أن تنهار وتتناثر قطعا لا يمسكها سبب، ولم يكن يحمل هم الدولة كلها يومئذ إلا رجل واحد، هو الموفق أخو الخليفة، ولكن الموفق يومئذ مشغول بأمر صاحب الزنج، فمن ذا يكفيه أمر أحمد بن طولون؟ ...
ولم تكن ولاية العهد يومئذ خالصة لرجل واحد، فقد جعلها المعتمد من بعده لرجلين، ولده جعفر المفوض، ثم أخيه طلحة الموفق.
ولم تكن شئون الدولة كذلك في يد واحدة تديرها كيف تشاء، فقد قسمها المعتمد بين وليي عهده، فولى ولده مصر والمغرب، وخص أخاه الموفق بالمشرق، وقد كان الموفق بما في طبيعته من الصرامة والحزم أهلا لما ولي ليرد عن الدولة عادية الخوارج في المشرق، ويجتث جذور الأحقاد، ولكن المفوض بطبيعته الرخوة لم يكن أهلا لما ولي ... وهل كان ممكنا أن يبلغ ابن طولون ما بلغ لو أن مصر والمغرب كانا إلى رجل فيه مثل صرامة الموفق وحزمه؟ ...
على أن الموفق لم يكن يومئذ في غفلة من أمره، وهو يرى الدولة الطولونية تمد مدها حتى تبلغ أكناف العراق وتكاد تصل إلى حاضرة الخلافة، فكيف يقف هذا السيل المكتسح قبل أن يجرف في طريقه دولة بني العباس؟ كيف، وما له يد على ابن طولون، وليس إليه الأمر في شأن من شئون الغرب؟ ...
لقد قضى زمانا يدس الدسائس لأحمد بن طولون، ويؤلب عليه
51
جيرانه فما أجدى ذلك عليه شيئا، فما بقي إلا أن يسفر عن وجهه ويباديه العداوة صريحة، ولكن من أي سبيل؟ ...
بلى، إن ثمة حيلة لعله أن يبلغ بها: إن مصر خزانة السلطان وفيها أمواله - كذلك يراها الموفق - وقد كانت حرب الزنج غرما اقتضى الخليفة أن يستدين للإضاقة
52
كي ينفق على الجيوش التي يقودها لحرب صاحب الزنج، أفلا يبذل ابن طولون شيئا من خزانة السلطان عونا لجيش الخليفة إن كان على الولاء للدولة؟ ...
अज्ञात पृष्ठ