من القلوب وجيه أينما شفعا
وبلغت ساجي في لحنها غاية ما يبلغ عازف على وتر أو هاتف على فنن، ولكن الخليفة لم يطرب لغناء ساجي في ذلك اليوم طربه لغنائها في كل يوم، فقد أجد له هذا الصوت فكرا وأنشأ شجنا ...
وتبعثرت خواطره كما يتبعثر الذر في شعاع نافذ، فليس له قرار على رأي ولا ثبات على عاطفة، وود لو كانت قطر الندى غير من كانت، وكان أبوها غير خمارويه بن طولون! ...
وسخر الخليفة من نفسه حين وصل من الفكر في شأنه وشأن عروسه الفاتنة إلى هذه المرحلة، فابتسم ابتسامة ملك، ومد يده إلى العروس فأنهضها، ومضى بها يجوسان خلال حجرات القصر، وأسدلت دونهما الستور ...
وتتابعت أيام المعتضد من بعد سعيدة هانئة، لولا لحظات من الفكر كانت تغشى سعادته كما يتنفس المقرور في مرآة مصقولة ثم يلمسها شعاع الشمس فتعود صافية مجلوة.
وخلا مجلس الخليفة يوما إلا من عروسه، ونالت النشوة منه، فتوسد ركبتها ونام آمنا، فاستغرق في نومته، وتلطفت العروس فأبعدت رأسه عن ركبتها في حذر وأسندته إلى وسادة، وقامت فاتخذت مجلسا على مقربة، وكان المعتضد يحذر الوحدة خوف الغيلة،
28
فلما استيقظ بعد هنيات فلم يجدها فزع واضطرب، وناداها غاضبا فأجابته، فقال عاتبا: «ماذا صنعت يا أمية! ... أحللتك مني هذا المحل وأسلمت إليك نفسي، فتركتيني وحيدا، وأنا في النوم لا أدري ما يفعل بي!»
قالت: «سلمت ودمت يا مولاي، والله ما جهلت قدر ما أنعمت به علي، ولكن فيما أدبني به والدي خمارويه: ألا أجلس مع النيام، ولا أنام مع الجلوس، وأمير المؤمنين بعيني وعين الله.»
وأكبر المعتضد جوابها فهتف معجبا: «لله أنت يا بنية! ولله ما أدبك أبوك!»
अज्ञात पृष्ठ