خفض أحمد عبد الجواد عينيه أن تقرأ فيهما الحنق الذي اشتعلت به جوانحه وهو يتابع كلامها. ولم يخدع بتظاهرها بالاهتمام بموافقته، فلتحاول خداع غيره ممن يجهلون خباياه، أما هو فيعلم علم اليقين أن موافقته وعدمها عندها سواء، بل ألم تدرك ما وراء تخلفه عن زيارتها مع ابنه؟ ... ولكنها جاءت لتحمله على الإقرار بالموافقة، وربما لغرض آخر لا يلبث أن يستبينه، رفع إليها عينين هادئتين، وقال : حدثني ياسين عن رغبته فدعوت له بالتوفيق، كانت مريم ولم تزل ابنتنا. - الله يبارك لي في عمرك يا سي السيد، هذه المصاهرة ستشرفنا بين الناس. - أشكر حسن ظنك.
فقالت بحماس: ويسرني أن أصارحك بأنني أجلت إعلان موافقتي حتى أتأكد من موافقتك أنت.
قارحة! لعلها أعلنت موافقتها حتى قبل أن ترى ياسين. - أكرر الشكر يا ست أم مريم. - لذلك كان أول ما قلت لياسين أفندي، دعني أتأكد أولا من موافقة والدك، فإن كل شيء يهون إلا سخطه!
الله ... الله! لم تكد تسرق البغل حتى نشطت لرمي الأحابيل حول صاحبه. - ليس بمستغرب أن يصدر عنك ذلك القول النبيل.
فواصلت حديثها في حماس مظفر، قائلة: إنك يا سي السيد رجلنا، وخير من يفخر به حينا كله.
مكر النساء، ودلال النساء، ما أضيقه بهما معا، هل خطر لها ببال أنه يتمرغ في التراب مناشدة لعطف عوادة زهد فيها السكارى؟
قال في تواضع: أستغفر الله.
فقالت بلهجة حزينة علا بها صوتها قليلا، حتى خاف أن يبلغ الموجودين بالناحية الأخرى من الدكان، فحرك رأسه نحوهم محذرا: لشد ما حزنت عندما أنبأني بأنه هجر بيت والده.
فبادرها قائلا، وقد تجهم وجهه: الحق أن سلوكه أغضبني. فعجبت كيف تأتى له أن يرتكب تلك الحماقة، كان ينبغي أن يستشيرني أولا. ولكنه حمل متاعه إلى قصر الشوق، ثم جاء يعتذر إلي! عبث صبياني يا ست أم مريم، وقد وبخته ولم أكترث لخلافه المزعوم مع أمينة. ذلك تعلل سخيف حاول به أنه يبرر حماقة أسخف منه. - هذا ما قلته له وحياتك، ولكن الشيطان شاطر، وقلت له أيضا: إن ست أمينة معذورة، ربنا يصبرها على ما ابتلاها به. وعلى أي حال فمثلك يرجى منه الصفح يا سي السيد.
فأشار بيده إشارة قصيرة، كأنما تقول «دعينا من هذا»، فقالت متوددة: لكنني لا أقنع إلا بالصفح والرضا.
अज्ञात पृष्ठ