ثم في انفعال شديد: لعلك كنت تتطلع إليها حتى في ذلك الزمن البعيد! - نينة! - لم تعد لي ثقة في شيء، كيف تبقى لي ثقة في شيء بعد هذا الغدر؟ هل ضاقت الدنيا وأقفرت حتى لم تجد من فتياتها زوجة إلا الفتاة التي أدمت قلب أخيك؟ ألا تذكر ما أصابه من حزن وهو يستمع معنا إلى قصة الجندي الإنجليزي؟!
بسط ياسين ذراعيه في توسل، قائلا: فلنؤجل هذا الحديث إلى وقت آخر، سأثبت لك فيما بعد أن المرحوم لبى نداء ربه وليس في قلبه أي أثر لهذه الفتاة، أما الآن فلم يعد الجو صالحا للكلام.
صاحت به غاضبة: هيهات أن يصلح عندي جو لهذا الكلام، إنك لا ترعى ذكرى فهمي. - ليتك تتصورين ما يحدثه كلامك في من حزن.
صاحت، وقد بلغ بها الغضب منتهاه: أي حزن؟ إنك لم تحزن على أخيك. من الغرباء من حزن عليه أكثر منك. - نينة!
وهم كمال بالتدخل في الحديث، ولكنها أسكتته بإشارة من يدها، وهتفت: لا تدعني نينة، لقد كنت لك أما حقا، ولكنك لم تكن لي ابنا، ولم تكن لابني أخا.
لم يعد يحتمل البقاء، فنهض محزونا مكتئبا، وغادر الصالة إلى حجرته، وما لبث كمال أن لحق به ولم يكن دونه حزنا وكآبة، فقال له: ألم أحذرك؟
فقال ياسين مقطبا: لن أبقى في هذا البيت دقيقة واحدة بعد الآن.
فقال كمال بجزع: يجب أن تعذرها، أنت تعلم أن والدتي لم تعد كما كانت، إن أبي نفسه يغضي عن بعض هفواتها أحيانا، ما هي إلا غضبة لا تلبث أن تسكت فلا تحاسبها على كلامها، هذا رجائي إليك.
قال ياسين وهو يتنهد: لن أحاسبها يا كمال، لن أبيع جميل الأعوام بإساءة ساعة، إنها معذورة كما قلت، ولكن كيف أطالعها بوجهي صباح مساء، وهذا ظنها بي؟
ثم بعد لحظات صمت مشحونة بالكآبة: لا تصدق أن مريم أدمت قلب المرحوم، لقد استأذن المرحوم يوما في أن يخطبها فرفض أبوك، وتناسى المرحوم الأمر حتى نسيه فانتهى كل شيء، فما ذنب الفتاة في ذلك، وما ذنبي أنا إذا أردت أن أتزوجها بعد ست سنوات من ذلك التاريخ؟
अज्ञात पृष्ठ