فمطت بوزها، وقالت: كلكم أبنائي، أمينة هانم ابنتي الطيبة، أنت سيد الناس، أما خديجة (ورنت إليه وعيناها تتسعان) فلم ترث سجية واحدة من سجايا والديها الطيبين ... (ثم وهي تهز رأسها) ... يا لطيف الطف!
فقال السيد بلهجة المعتذر: إني أعجب كيف أغضبتك لهذا الحد؟! كان الأمر كله مفاجأة شديدة علي، لا أقبل هذا مطلقا، ولكن هلا حدثتني عما فعلت؟
فقالت المرأة مقطبة: هذا شيء قديم، كنا نخفي عنك كل شيء إكراما لتوسلات والدتها التي أعيتها الحيل في إصلاحها، ولكني لن أقول كلمة واحدة إلا في وجهها، في وجهها يا سي السيد كما عزمت أمامك في الدكان.
عند ذاك جاءت الجماعة، دخل إبراهيم في المقدمة، وتبعه خليل، فعائشة، ثم خديجة. وصافحوا السيد واحدا فواحدا حتى جاء دور خديجة، فانحنت في أدب مثالي حتى لثمت يده، فلم تتمالك العجوز من أن تقول في عجب: رباه ما هذه البوليتيكا! أأنت خديجة حقا؟ لا تخدعنك الظواهر يا سيد أحمد.
فقال خليل معاتبا أمه: هلا تركت والدنا حتى يستريح! ليس ثمة ما يدعو إلى محاكمة على الإطلاق.
فعلا صوت المرأة وهي تجيبه قائلة: ما الذي جاء بك؟ ما الذي جاء بكم؟ دعوها واذهبوا عنا بسلام.
فقال إبراهيم برقة: وحدي الله!
فصاحت به: أنا موحدة أحسن منك يا بغل! لو كنت رجلا حقا ما أحوجتني إلى استدعاء هذا الرجل الطيب، ما الذي جاء بك، وكان يجب أن تكون غاطا في نومك كالعادة؟
ابتل صدر خديجة ارتياحا إلى هذه البداية، فتمنت لو تشتد حتى تغطي على قضيتها، ولكن السيد سألها بصوت مرتفع سد الطريق في وجه المعركة المأمولة: ما هذا الذي سمعته عنك يا خديجة؟ أحق أنك لست الابنة المؤدبة المطيعة لوالدتك، أستغفر الله، بل لوالدتنا جميعا؟
خاب أمل خديجة، فغضت بصرها، وتحركت شفتاها في همس دون أن تبين وهي تهز رأسها نفيا، ولكن الأم لوحت بيدها للجميع كي ينصتوا، ثم أنشأت تقول: هذا تاريخ قديم لن أستطيع أن أسرده عليك في هذه الجلسة، منذ أول يوم لها في هذا البيت وهي تخاصمني بلا سبب، وتخاطبني بأطول لسان عرفته في حياتي. لا أحب أن أعيد عليك ما سمعته طوال خمس سنوات أو يزيد، كثير، كثير، وقبيح، قبيح. عابت إشرافي على البيت وتنقصت طهيي - هل تتصور هذا يا سي السيد؟ - وما زالت حتى انفصلت بشقتها عني فانشطر البيت الواحد بيتين، حتى الجارية سويدان حرمت عليها دخول شقتها لأنها جاريتي، وجاءت بخادم خصوصية لها. السطح، السطح على سعته يا سي السيد، ضيقته علي حتى اضطررت إلى نقل دواجني إلى الفناء، ماذا أقول أيضا يا بني؟ هذا قليل من كثير، ولكن ما علينا. قلت لنفسي ما فات فات، واحتملته وصبرت عليه، وقد ظننت بعد الانفصال أن أسباب الشقاق ستنتهي، ولكن هل صدق ظني؟ كلا وحياتك.
अज्ञात पृष्ठ