90

فمن البدع الزائلة كل دعوة تنم عن المرض النفساني، كما تنم عليه أعراضه وأماراته، ومن الفنون الصادقة كل فن يعبر عن المرض وهو غير مريض، وينفس عنه وليس هو بضحية من ضحاياه، ولكل منها علاقة بالدراسات النفسية غير علاقة الآخر بها، فإن البدع لا تستفيد من الدراسات النفسية ولا تتعلم شيئا منها، ومثلها في علاقتها بحقائق علم النفس مثل المريض في علاقته بالطب الذي لا يعرفه، وعلى خلاف ذلك يكون الفن الصادق في علاقته بالدراسات النفسية، فإنه يستفيد من العلم بها، ويصحح بها أخطاء الحس والرأي والشعور، ويعتمدها في نقد أعمال الأقدمين وتوجيه أعمال المحدثين. •••

منذ أواخر القرن الماضي بدأت مشاركة العلم في نقد تاريخ الفنون، ولا سيما فنون: التصوير، والنحت، والمخطوطات الكتابية، فتمكن علماء التاريخ والكيمياء من تحقيق أوقات التحف الفنية، وتصحيح نسبتها إلى أصحابها وعهودها، إما بالمقابلة التاريخية بين الأساليب والتوقيعات وأنواع الورق والمداد، أو بالفحص الكيمي عن التفاعل بين الأصباغ والأنسجة، وبين عوارض الجو والتربة، وكانت لهذه المساهمة العلمية قيمتها النفسية في التحقيق والتمحيص من الوجهة التاريخية التي تنتهي عند تصحيح النسبة إلى هذا الفنان أو ذاك وتبيين الفرق بين أساليب عصر وعصر، وأنماط مدرسة ومدرسة. ولكن النقد العلمي لم يتمكن من المشاركة في التمييز بين الفن السليم، والفن السقيم، وبين أسباب الدقة في الأداء، وأسباب الخطأ والانحراف فيه، إلا بعد التقدم الحثيث في علم البصريات، وما يرتبط به من طب العيون والأعصاب، فإن علماء البصريات وأطباء العيون قد أمكنهم أن يميزوا بين الخصائص التي كانت تحسب في عداد المدارس والأساليب الفنية، وبين الخصائص التي تنشأ من أمراض البصر ويضطر إليها الفنان لخلل في تركيب عينه يحجب عنه بعض الألوان، أو يعرضه لطول البصر أو قصره، أو للزيغ عن النظر المستقيم إلى ما يواجهه من أمامه، ففي هذه الحالات يبالغ الفنان في توكيد لون من الألوان، وتخفيف ما عداه، وتتراءى صورة أقرب إلى استطالة أو أقرب إلى الاستدارة، وفيها بعض الميل من جانب، وبعض الإقحام من جانب آخر، على حسب الاختلاف بين تركيب عينيه، وبين تركيب العيون عند صاحب النظر السليم، وكان النقاد الأسبقون ينظرون في هذه الخصائص فيحسبونها من بدع الاختيار والابتكار، ومن فوارق الأساليب المقصودة والمدارس التي يدور البحث فيها على تعدد الآراء والأذواق، وما هي إلا نظرة فاحصة من عالم البصريات حتى ينجلي له أن الأمر لا يرجع إلى اختلاف الآراء والمذاهب، ولا إلى الرغبة والاختيار، وأن مرجعه كله إلى عيب في البصر يمثل الأشياء لصاحبه على صورة غير سوية ويوقعه في ذلك الخطأ الذي لا حيلة له فيه، وقد يظهر من المقابلة بين صور الفنان الواحد أن بعضها ينم على انبساط الحدقة، وبعضها ينم على بصر سليم، فيتبين من النقد التاريخي أنه يحاكي أسلوب غيره في الصور المثالية أو الصور المقدسة؛ لأن ذلك الأسلوب قد أصبح في زمانه بمثابة الزي المصطلح عليه لتمثيل «الشخوص» المحوطة بهالة من القداسة والرعاية المثالية، ولكنه يثوب إلى بصره فيعتمد عليه فيما يرسمه من المناظر اليومية والشخوص التي لا يحيطها بتلك الهالة من القداسة والتبجيل، وهذه وسيلة من وسائل التمييز بين الأنماط والأساليب، وبين أسباب الاختيار فيها والاضطرار لم تكن معروفة قبل ارتقاء علم البصريات وأدوات الفحص عن وقع المسافات والمرئيات في النظر المنحرف والنظر السليم.

ويؤخذ من بحث لطبيب جراح من أطباء العيون أن نسبة الحسر في طلاب التصوير أكبر من النسبة العامة بين غير المصورين: «ففي إحصاء للتلاميذ والأساتذة في مدرسة الفنون الجميلة بباريس عند أوائل القرن العشرين ظهر أن المصابين بالحسر أكثر من ستين من مائة وثمانية وعشرين، وأن نسبة طول البصر في المدرسة كلها سبعة وعشرون في المائة ، على حين أن نسبتهم في عموم الناس ثلاثة أمثال المصابين بالانحسار.»

قال الطبيب: «ومما يدعو إلى الدهشة كثرة المصابين بالحسر بين أساتذة المدرسة التأثرية أو الإحساسية

Impressionists

فمن المرجح أن مونيه

Monet

كان محسورا، ولكن الحسر محقق عند سيزان

Cezanne

وديجاس

अज्ञात पृष्ठ