أما عن أعوانه القدامى فقال الرجل: بعد المعركة إياها ضيقت الشرطة عليهم، فتفرقوا إيثارا للسلامة، والله أعلم بهم.
فتساءل الرجل بصوت حالم: ألا يمكن الاهتداء إليهم بالسؤال والبحث؟ - فيم تفكر يا معلم زيد؟ - غريب بلا مأوى ولا رزق يبحث عن رجاله! - يا معلم، الدنيا غير الدنيا، والزمان غير الزمان، غير أفكارك، لا فتونة اليوم ولا فتوة، حسبك أنك قضيت زهرة عمرك في السجن. - وكيف أعيش يا مولانا؟ - أي عمل يصلح لك في هذه السن؟ .. ومن يمنح ثقته لخارج من تأبيدة؟
وتفكر الشيخ مليا ثم واصل حديثه: أتريد رأيي حقا؟ طيب، توجد مهنة وحيدة، شريفة وميسرة للرزق.
فتساءل الرجل بلهفة: ما هي؟
مسح الأحذية ولا مؤاخذة!
فهتف الرجل: الأحذية! - حلمك، الغضب لا يحل المشاكل، الأدوات رخيصة وإتقانها يسير، ولا يوجد شخص اليوم بغير حذاء، والمسحة بالشيء الفلاني. - أنا .. أنا زيد. - اعقل ووحد الله، لا أحد اليوم يعرف زيد، العمل يناسب سنك وصحتك، ولن يتعذر عليك مهما تقدم بك العمر .. ماذا قلت؟
قال بامتعاض: يلزمني وقت للتفكير.
فقال الرجل بوضوح: لا تبدد وقتك، الزمن لا يرحم.
ندت عن الرجل ضحكة جافة مباغتة كالعطسة، ووازن في صمت حزين بين السيادة التي حلم بممارستها على الحارة، وبين مسح أحذية أبنائها، ولكنه لم يرفض، وقال للشيخ بأسي: لو خمنت هذا المصير من قبل لارتكبت أي جناية في السجن لأضمن بقائي إلى نهاية العمر.
بيت المستشار
अज्ञात पृष्ठ