ربما كان أديسون الشهير الذي ازدهر في أيام الملكة آن هو الوحيد من بين كل الكتاب الإنجليز الذي عرف جيدا كيف يهدي العبقرية بالذوق. كان لديه أسلوب سليم، ومخيلة حكيمة في التعبير، وأناقة، وقوة وبساطة في شعره ونثره. ولما كان صديقا للياقة والنظام، أراد أن تكتب التراجيديا بعظمة، وهكذا ألفت تراجيديته «كاتو».
من الفصل الأول نرى أشعارا تضارع أشعار فرجيل، وأحاسيس تضارع أحاسيس كاتو. ما من مسرح في أوروبا لم يصفق فيه لمشهد جوبا وسيفاكس بوصفه عملا رائعا يظهر المهارة والشخصيات المتطورة تطورا جميلا، والتباينات المتقنة، والصياغة النقية والنبيلة. صفقت أوروبا الأديبة التي تعرف ترجمات هذا العمل حتى للسمات الفلسفية التي امتلأ بها دور كاتو.
حظي هذا العمل بالنجاح الأعظم الذي استحقه جمال تفاصيله، وضمنته له اضطرابات إنجلترا التي كانت هذه التراجيديا في أكثر من موضع تلميحا مذهلا لها. لكن مع انتهاء دلالات هذه التلميحات، وكون الشعر جميلا وحسب، والحكم نبيلة وعادلة وحسب، والنص باردا، لم يعد الناس يشعرون إلا بالبرود. ما من شيء أجمل من المقطع الثاني من قصيدة فيرجيل؛ ولكنها ستبعث على الملل إذا ما تليت على المسرح. على المسرح، لا بد من وجود العاطفة، والحوار الحي، والفعل. سرعان ما عدا الناس إلى غرابات شكسبير الآسرة على فجاجتها.
الحسد
يعرف المرء جيدا ماذا قالت العصور القديمة عن تلك العاطفة المخزية، وما كرره المحدثون. هسيود أول مؤلف كلاسيكي يتحدث عنها.
صانع الخزف حاسد لصانع الخزف الآخر، والحرفي للحرفي الآخر، وحتى الفقير حاسد للفقير الآخر، والموسيقي للموسيقي الآخر (أو إن كان للمرء أن يمنح معنى آخر لكلمة «مطرب»)، والشاعر للشاعر الآخر.
قال أيوب قبل هسيود بوقت طويل: «الغيرة تميت الأحمق» (سفر أيوب: 5: 2).
أعتقد أن ماندفيل، مؤلف «أسطورة النحل»، كان أول من حاول أن يثبت أن الحسد أمر جيد للغاية، وعاطفة مفيدة جدا. سببه الأول لذلك أن الحسد طبيعي للإنسان كالجوع والعطش، ويمكن أن تجده في الأطفال، كما يوجد أيضا لدى الجياد والكلاب. تريد أن يكره أطفالك بعضهم بعضا؟ قبل أحدهم أكثر من الآخر. السر واضح.
يذكر أن أول شيء تفعله شابتان تلتقيان هو أن تفتش كل منهما عما هو سخيف في الأخرى، والشيء الثاني أن تداهن كل منهما الأخرى.
يعتقد أنه لولا الحسد لرعيت الفنون بلا تمييز، وأن رافائيل لم يكن ليصبح رساما عظيما لو لم يكن غيورا من مايكل أنجلو.
अज्ञात पृष्ठ