غريبة هي الثقة التي يؤكد بها أن لا جديد في علم الفلك الحديث ولا في معرفة جسم الإنسان اللهم إلا الدورة الدموية. إن ولعه برأيه، المبني على تقديره الهائل لذاته، يجعله ينسى اكتشاف أقمار المشتري، وحلقات زحل وأقماره الخمسة، ودوران الشمس حول محورها، وحساب مواقع ثلاثة آلاف نجم، وقوانين كبلر ونيوتن للأجرام السماوية، وأسباب تقدم الاعتدالين، ومئات المعارف الأخرى التي لم يخطر ببال القدماء إمكان وجودها.
اكتشافات علم التشريح وفيرة بالمثل. لم يكن اكتشاف عالم جديد مصغر تحت عدسة الميكروسكوب ذا قيمة من وجهة نظر شوفالييه تومبل الذي غض بصره عن عجائب معاصريه، وحول ناظريه نحو الإعجاب بجهل القدماء.
وهو يمضي إلى حد الإشفاق علينا؛ إذ لم يبق لدينا شيء من سحر الهنود، والكلدانيين، والمصريين. هذا السحر، وفق فهمه، هو معرفة عميقة بالطبيعة، استطاعوا من خلالها صنع المعجزات. لكنه لا يستشهد بمعجزة واحدة؛ لأنه في الحقيقة لم تكن هناك أي معجزات البتة. يسأل: «أين ذهبت تلك الموسيقى الساحرة التي خلبت لب الإنسان والحيوان والأسماك والطيور والثعابين وغيرت طبيعتهم؟»
يؤمن عدو قرنه هذا حقا بخزعبلات أورفيوس، ولم يسمع على ما يبدو شيئا من الموسيقى الجميلة من إيطاليا أو حتى فرنسا، التي لا تسحر الثعابين ولكنها تسحر آذان الذواقة في حقيقة الأمر.
يبقى الأغرب من ذلك أن رأيه في كتابنا البارعين ليس أفضل من رأيه في فلاسفتنا، على الرغم من حياته التي كرسها للمقالات الجميلة. يرى رابليه رجلا عظيما، ويعتبر أن كتاب «العلاقات الغرامية ببلاد الغال» أحد أفضل أعمالنا. كان شوفالييه، مع ذلك، مثقفا، من رجال الحاشية، سفيرا، رجلا كثير الذكاء، رجلا أعمل فكره عميقا في كل ما رآه. كان عظيم المعرفة، لكن التحيز تكفل بإفساد كل هذه الجدارة.
ثمة جماليات في أعمال يوريبيديس وسوفوكليس؛ لكن بها نقائص أكثر كثيرا، بل قد أزعم أن مشاهد كورنيلي الجميلة وتراجيديات راسين المؤثرة تتفوق على تراجيديات سوفوكليس ويوريبيديس بقدر ما يتفوق الأخيران على ثيسبيس. كان راسين واعيا تماما بتفوقه العظيم على يوربيديس؛ لكنه مدح الشاعر اليوناني ليقلل من شأن بيرو.
يتفوق موليير، في أعماله الجيدة، على أعمال تيرانس الرائقة على برودتها، وعلى أعمال أرسطوفان المضحكة، وأعمال دانكورت الهزلية.
هكذا، توجد مجالات يتفوق فيها المحدثون بدرجة كبيرة على القدماء، ومجالات أخرى أقل كثيرا نحن الأدنون فيها. وإلى هذا الاستنتاج يختزل الجدل.
الحيوان
كم هو مؤسف ومثير للشفقة أن يقال إن الحيوانات محض آلات محرومة من الفهم والشعور، تؤدي أعمالها دائما بالطريقة نفسها، ولا تتعلم شيئا، ولا تتقن شيئا ... إلخ!
अज्ञात पृष्ठ