فأخذتها روزه شاكرة، وجعلتها حول عنقها، فتدلت الذخيرة حتى قلبها، فأدخلتها ضمن ثوبها بعد أن قالت لعزيز والسرور يتلألأ في مقلتيها: سأحرص عليها حتى الموت.
فأجابها: أنت يا روزه شمس حياتي، وبدونك لا مطمع لي في الوجود.
وإنهما لكذلك، إذ أقبلت خادمة روزه وقالت: سيدتي، لقد حضرت صديقتك ماري وشقيقها لزيارتك.
فنهضت روزه فرحة بهذا الملتقى، ودعت عزيزا لمرافقتها فحاول الانصراف معتذرا، ولكنها ألحت عليه بالبقاء، وأسرعت أمامه للقاء ضيفيها.
أما هو فلبث واقفا هنيهة، وأفكاره متجهة نحو ماري تتجلى له بهيئتها اللطيفة، ونظراتها الرقيقة التي لم تفارق مخيلته منذ رؤيته إياها، واجتماعه بهما مسافة الطريق بين مرسيليا والإسكندرية، فارتاعت نفسه لتلك الذكرى، وشعر بشوق يدفعه إلى مشاهدتها، ولكنه رأى من الصواب عدم الانقياد إلى هواه؛ خوف أن يقهر أمام تلك القوة الخارقة، أو يبدو من ماري ما يفضح سرهما أمام من عاهدها منذ هنيهة ألا يكون لها في فؤاده شريكة، غير أنه ما لبث أن عادت إليه شجاعته ظنا بأن ذلك الانعطاف الذي شعر به نحو ماري سابقا، لم يكن حينئذ إلا لخلو قلبه من هوى من سواها، أما الآن وقد ملأ حب روزه جوارحه، فلم يعد في فؤاده مكان لغيرها.
وعليه سار إلى حيث كان الثلاثة مجتمعين، وهو واثق من قوة جنانه وصدق وداده، غير أنه لم تقع عينيه على عين ماري حتى بدا من الاثنين ارتباك وشى به خفقان القلوب، وشهد عليه ورد الجنان، فحيا عزيز الجميع وجلس يبادلهم الحديث، وماري مصغية لكلماته التي كانت تنزل بردا وسلاما على فؤادها الطاهر غبطة وحبورا، ولم تجتهد في إخفاء ما يخامرها من السرور بوجوده أو تجتنب ما ينم على ميلها إليه، إذ لم تكن تعلم بما بينه وبين صديقتها من روابط الحب، ولو علمت ذلك لما سمحت لأفكارها أن تتجه إليه، أو لقلبها أن يشتغل به؛ لأنها كانت أشرف طبعا من أن تدخل بين حبيبين متعاهدين، وتفصل بين قلبين متحابين.
ولم تخف تلك الظواهر على روزه، ولكن ثقتها التامة بعزيزها وائتمانها جانب صديقتها حال دون وصول سهام الغيرة إلى قلبها، فحملت ذلك منهما على محمل السذاجة والطهر، وسرت لما رأت من إعجاب صديقتها به، علما بأنها ستبهج لدى إطلاعها على حبهما.
وكان فريد لا ينفك عن التحبب إلى روزه منتهزا فرصة اشتغال الآخرين بالحديث، أما روزه فكانت تحدث الجميع ووجهها يطفح بشرا، وقد صممت على أن تطلع ماري على حبها لعزيز، وتأتمنها على سرها في أول فرصة؛ لأنها لم تكن حتى تلك الساعة تخفي عنها شيئا.
الفصل الثاني عشر
التهور
अज्ञात पृष्ठ