وقد علم أن الأرواح متى قويت، وقويت النفس والطبيعة تعاونا على وضع الداء وقهره، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه؛ وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له، وتنعمها بذكره، وانصراف قواها كلها إليه، وجمعها عليه، واستعانتها به، وتوكلها عليه، أن يكون ذلك من أكبر الأدوية، وتوجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية؛ ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس وأعظمهم حجابا وأكثفهم نفسا، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية.
31 - ظرف الأعراب من الجوع ..
* ابن قتيبة في ((عيون الأخبار)):
قال الععيبي: قلت لرجل من أهل البادية: يا أخي! إني لأعجب من أن فقهائكم أظرف من فقهائنا؛ وعوامكم أظرف من عوامنا؛ ومجانينكم اظرف من مجانيننا. قال: وما تدري لم ذاك؟ قلت: لا؛ قال: من الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لخلو جوفه! ..
32 - أعرابي يدركه رمضان في المدينة
* وفيه:
قدم اعرابي على ابن عم له بالحضر، فأدركه شهر رمضان فقيل له: أبا عمرو لقد أتاك شهر رمضان. قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام؛ قال: أبلليل أم بالنهار؟ قالوا: لا؛ بل بالنهار؛ قال: أفترضون بدلا من الشهر؟ قالوا: لا؛ قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس! فصام أياما، فلم يصبر فارتحل عنهم وجعل يقول:
يوقل بني عمي وقد زرت مصرهم تهيأ أبا عمرو لشهر صيام
فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي سلام عليكم فاذهبوا بسلام
فبادرت أرضا ليس فيها مسيطر علي ولا مناع أكل طعام
33 - لماذا سمنوا؟
* وفيه:
قيل لرجل رئي سمينا: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحار، وشربي القار (البارد) واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي. . .
وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: قلة الفكرة؛ وطول الدعة؛ والنوم على الكظة (¬1).
قال الحجاج للغضبان بن القبعثرى في حبسه: ما أسمنك؟ قال: القيد والدعة؛ ومن كان في ضيافة الأمير فقد سمن!
وقال آخر لرجل رآه سمينا: أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك!
34 - الثريد ومرق اللحم
* وفيه:
قيل لأعرابي: ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد؟ فقال: لأن اللحم ظاعن، والثريد باق!
وقيل لآخر: ما تسمون المرق؟ قال: السخين، قال: فإذا برد؟ قال: لا ندعه يبرد!.
पृष्ठ 20