पुराना और नया

कुर्द अली d. 1372 AH
84

पुराना और नया

القديم والحديث

शैलियों

تبعت الشام مصر في حكومتها سنة 325، فأقام محمد الإخشيد واليا على حلب أحمد بن سعيد الكلابي شيخ قبيلة بني كلاب، فكثر الكلابيون إذ ذاك، وأقطع الخليفة العباسي الشام لمحمد بن رائق على أن يستخلصه من الإخشيدية الذين خلعوا طاعته، فطرد ابن رائق وقاتل الإخشيدية فاستولى على دمشق.

وفي سنة 329 بعث محمد الإخشيد قائده كافورا إلى الشام في جيش عظيم، فهزم عامل ابن رائق واستولى على حلب، وفي السنة التالية عقد الصلح بين محمد الإخشيد واستأثر هذا بولاية حلب، والإخشيد محمد بن طغج صاحب الديار المصرية، وما معها من البلاد الشامية والأعمال الحجازية، كانت له سياسة حسنة مع جميع رعاياه؛ أي إنه كان بارعا بما نسميه اليوم «سياسية العناصر»، فقد كتب إلى أرمانوس ملك الروم من كتاب: «وسياستنا لهذه الممالك قريبها وبعيدها على عظمتها وسعتها بفضل الله علينا، وإحسانه إلينا ومعونته لنا وتوفيقه إيانا، كما كتبت إلينا، وصح عندك من حسن السيرة، وبما يؤلف بين قلوب سائر الطبقات من الأولياء والرعية، ويجمعهم على الطاعة واجتماع الكلمة، ويوسعها الأمن والدعة في المعيشة ويكسبها المودة والمحبة.»

وفي سنة 329 وصل الروم إلى قريب حلب ونهبوا وخربوا البلاد، وسبوا نحو خمسة عشر ألف إنسان، وفي هذه السنة أيضا قتل ابن رائق قتله ناصر الدولة بن حمدان، وكتب بالأمر إلى الخليفة المتقي لله فحل ذلك من نفسه محلا عظيما ولقبه ناصر الدولة، وجعله أمير الأمراء وتقلد حلب وأعمالها، ودانت له العرب، ولقب شقيقه علي سيف الدولة وخلع عليه، وهذا هو موضوع كلامنا في هذه المحاضرة. •••

سار سيف الدولة إلى حلب سنة 333 فحكمها واستولى عليها، وكان مع المتقي لله بالرقة، فلما عاد المتقي إلى بغداد وانصرف الإخشيد إلى الشام، لقي يأنس المؤنسي بحلب فقصده سيف الدولة، فلما نازلها فارقها يأنس، فحكمها سيف الدولة وهزم الروم لما قاربوها، ودخل الإخشيد سنة 334 حلب، وأفسد أصحابه في جميع النواحي، فقطعت الأشجار التي كانت في ظاهر حلب، وكانت عظيمة جدا - وقيل إن حلب كانت من أعظم المدن شجرا وأشعار الصنوبري تدل على ذلك - ونزل عساكر الإخشيد على الناس بحلب وبالغوا في أذى السكان لميلهم إلى سيف الدولة.

مال الناس هنا إلى سيف الدولة لما اشتهر عنه من الشجاعة والكرم، ومال أهل دمشق عنه فطردوه عن بلدهم؛ لأنهم رأوا منه ما أخافهم على أملاكهم؛ وذلك أنه لما ملك دمشق اتفق - وهو مقيم بها - أنه كان يسير هو والشريف العقيلي بنواحي دمشق فقال سيف الدولة: «ما تصلح هذه الغوطة إلا لرجل واحد»، فقال له العقيلي: هي لأقوام كثيرة، فقال سيف الدولة: «لئن أخذتها القوانين السلطانية ليتبرءوا منها»، فأعلم العقيلي أهل دمشق بذلك، فكاتبوا كافورا يستدعونه من الإخشيدية فجاءهم وأخرجوا سيف الدولة عنهم، وظل ملك الحمدانيين مقصورا في الشام على شماله ودخلت فيه حماة، وحمص، وسلمية، وجوسية، وشيزر، وكفر طاب، وأفامية، ومعرة النعمان، وجبل السماق، ومعرة مصرين، والأثارب. •••

رسخت بسيف الدولة أقدام بني حمدان في هذه الديار، واتخذ حلب عاصمته، وكانت مملكته عبارة عن جند حمص، وجند قنسرين، والثغور الشامية والجزرية، وديار مصر وديار بكر، ولما تم له الأمر مثل في بلاده الصورة التي كان يريد أن يمثلها في دمشق، وأبى أهلها عليه تمثيلها، فأخذ يستصفي الأملاك، ويصادر الأموال ويبني الدور والقصور، ويظهر من الأبهة ما كان يعجز عنه الخوالف من العباسيين في بغداد والأمويين في الأندلس والفاطميين في مصر. •••

لم تكن الجباية في تلك القرون على حالة مستقرة، فما ورد عن الشارع وأصحابه من قوانينها العادلة السهلة التطبيق، كان يجري العمل به في البلاد كلها، وكانت صورة التنفيذ تختلف باختلاف نزاهة السلطان وعفته عن أموال الناس، وسيف الدولة كان على الأرجح من القائلين بأن الغاية تبرر الواسطة.

كان رحمه الله على ما أجمع عليه الثقات مثل ابن حوقل معاصره والأزدي، وسبط ابن الجوزي، يجوز أخذ ما في أيدي الناس ليستعين به على غزو الروم، ويسرف بجانب كبير يفضل به على الشعراء والأدباء، فيخرجه من أكياس الرعية وجيوبهم؛ لينفقه في وجوه المبرات والعطايا؛ ولذلك أسس في هذه المدينة الجميلة دولة في الأدب، لم يقم مثلها في الشام منذ نحو عشرين قرنا إلى يوم الناس هذا.

ليس العالم شر محض ولا خير محض، ولكل عاقل في الأرض مزية، كما أن له ما يعد عليه من الهنات، وسيف الدولة من هذا القبيل لم تكن أعماله إلى الخير المحض بمصادراته وإسرافه، وكانت له مزيتان قل أن يكتبا لغيره وهما: نهضة الآداب في هذه البلاد، ودفع عادية الروم عنها، ولولاه لعاد إليها سلطانهم بعد أن تقلص بالإسلام نيفا وثلاثة قرون، وهذا الإجمال كما ترون يحتاج إلى تفصيل.

كان هم سيف الدولة في سياسته الخارجية أن يضعف الروم في آسيا الصغرى، فكان كثيرا ما يغزوهم ويفتح حصونهم، ويسبي من أبنائهم، ويخرب في زرعهم وقراهم، ويستصفي أموالهم وعروضهم، وقيل: إنه غزاهم أربعين مرة كانت فيها بعض الغزوات له وبعضها عليه. وكان همه في سياسته الداخلية تنجيد القصور، وجمع الأموال، والتجوز في أخذ الحلال والحرام منها، وإظهار أبهة الملك، والإفضال على الشعراء، وكانت عصبيته من عرب الجزيرة مسقط رأسه ومنبعث دولته. ومن عرب الشام مثل بني كلاب الذين أدناهم وأمن سربهم فقهروا العرب وعلت كلمتهم، قال في مسالك الأبصار: وبنو كلاب هم عرب أطراف حلب والروم، ولهم غزوات عظيمة معلومة وغارات لا تعد، ولا تزال (أي في القرن الثامن) تباع بنات الروم وأبناؤهم من سباياهم، ويتكلمون بالتركية ويركبون الأكاديش، وهم عرب غزو ورجال حروب وأبطال جيوش، وهم من أشد العرب بأسا وأكثرهم ناسا.

अज्ञात पृष्ठ