Prophethood: Selection and Example
النبوة: اصطفاء وقدوة
प्रकाशक
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
संस्करण संख्या
السنة الثانية - العدد الثالث
प्रकाशन वर्ष
محرم ١٣٩٠هـ/١٩٧٠م
शैलियों
تقدير وتدبير من الله العزيز الحكيم؛ يختار له الوسط الذي يكتنفه، والمؤثرات التي تحيط به، ويفاعل بين نفسه وبين ما وضعه فيه، فيخلق فيها ردود الفعل المناسبة للمستقبل القريب. إن الله هو الذي يصنع الأنبياء، وينشئهم النشأة المواتية للرسالة، إنه رب العالمين الذي تقبل مريم: ﴿بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ ١ وهو الذي صنع موسى على عينه، ووضعه في قصر فرعون آية كبرى من آيات التحدي لطغيان سادر، غير مرعو، لينشأ في حجور الجبابرة، ويخرج من عندهم أكبر ناقم، وأشد ساخط على الظلم وتعبيد الشعوب.
ومن ثم لم يكن شئ في حياة محمد ﷺ قبل المبعث إلا بتدبير الله الخالص وتهيئته وقد يبدو أن كلامنا هذا تحصيل حاصل فكل ما في الوجود إنما هو بتقديره ﷿. ولكن قلنا ما قلناه لنوجه الأنظار إلى أهميه الظروف والحوادث التي عاشها نبينا محمد ﷺ لنكتنه مغزاها العميق،ولنطيل الفكرة في هذه التنشئة التي انتهت إلى تفجير الحكمة الخالدة في فوائده تلك الحكمة التي رفعها الله نبراسا هاديا مشعا للبشرية إلى يوم الدين.
إن حياة تتفتح عن الحكمة الكلية الأخيرة للإنسانية لجديرة بالتفكر والتدبر والاعتبار وبأن تتأمل في شكلها ومضمونها والأحداث التي صنعت مادتها.
_________
١ آل عمران: ٣٧.
أ- الإعداد النفسي: كان أول وحي نزل على رسول الله ﷺ في غار حراء شديد الوطأة. لقد عانى حادثة غير عادية ولا مألوفة، خفية العلة، ولا يفسر حدوثها بسب من الأسباب الظاهرة (كما ينشأ الغيث في السحاب، مثلا) فإن مصدرها ليس عالم الشهادة بل عالم الغيب. هنالك لا يسع الإنسان إلا أن يتلقى بالقبول المطلق والتصديق الكلى، لأن أحداثه فوق منطق الأرض المحدود بالسبب والنتيجة. لذلك لا يقدر على احتمال الوحي إلا الأنبياء الذين أعدهم الله للثبات عند رؤية الملاك، وتصديق ما جاءهم من خبر السماء. ولم يصادف الوحي من رسول الله ﷺ نفسا لم تهيأ لاستقباله، بل جاءه بعد إعداد طويل من رب العالمين، عرف فيه حوادث غيبية المنشأ، لم يدر لها علة ظاهرة. فكانت مقدمة صالحة لاستقبال الوحي، رفقا من الله برسوله، ورحمة بنفسه البشرية. وكأن بعض هذه الحوادث كانت تقول له قبل مبعثه: لست وحدك،
أ- الإعداد النفسي: كان أول وحي نزل على رسول الله ﷺ في غار حراء شديد الوطأة. لقد عانى حادثة غير عادية ولا مألوفة، خفية العلة، ولا يفسر حدوثها بسب من الأسباب الظاهرة (كما ينشأ الغيث في السحاب، مثلا) فإن مصدرها ليس عالم الشهادة بل عالم الغيب. هنالك لا يسع الإنسان إلا أن يتلقى بالقبول المطلق والتصديق الكلى، لأن أحداثه فوق منطق الأرض المحدود بالسبب والنتيجة. لذلك لا يقدر على احتمال الوحي إلا الأنبياء الذين أعدهم الله للثبات عند رؤية الملاك، وتصديق ما جاءهم من خبر السماء. ولم يصادف الوحي من رسول الله ﷺ نفسا لم تهيأ لاستقباله، بل جاءه بعد إعداد طويل من رب العالمين، عرف فيه حوادث غيبية المنشأ، لم يدر لها علة ظاهرة. فكانت مقدمة صالحة لاستقبال الوحي، رفقا من الله برسوله، ورحمة بنفسه البشرية. وكأن بعض هذه الحوادث كانت تقول له قبل مبعثه: لست وحدك،
1 / 20