Present Condition of the Islamic World
حاضر العالم الإسلامي
प्रकाशक
مطاب الدجوي-القاهرة
संस्करण संख्या
-
प्रकाशक स्थान
عابدين
शैलियों
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذه الكلمات نخطها عن حاضر العالم الإسلامي.. مما رأينا بأعيننا، أو لمسنا بأيدينا، أو رجعنا إليه في مصادره ومظانِّه وإحصاءاته.
على أننا قد استعنا بتقارير مَنْ نثق في صدقهم من أمثال: رجال تحرير جبهة مورو، ورجال تحرير فطاني، وبعض مجاهدي فلسطين، وآخرين لم يشاءوا أن نكشف عنهم، وقد قبلنا تقارير هؤلاء.. كما يقبل القاضي شهادة الشهود بعد تمحصيها والثقة في صدقها، واضطررنا إلى البينة لما عزت المصادر الرسمية، أو شككنا في صدقها.
ونحسب أن هذه الكلمات هي المرجع الأوّل الحالي حول حاضر العالم الإسلامي، فلم نجد -فيما نعلم- شيئًا كُتِبَ بعد ما كتبه الكاتب الأمريكي "لوثروب ستوارد"، وترجمه إلى العربية الأستاذ عجاج نويهض، وعلق عليه الأمير شكيب أرسلان.
وهي وإن حاولنا فيها مسح العالم الإسلامي كله، إلّا أن ذلك كان في شأن الخطوط العامَّة حول الواقع الفكري، أو الواقع السياسي، أو الواقع الاجتماعي، أو الواقع الاقتصادي. لكن ذلك لم يمنعنا من إفراد بحوث خاصَّة للقضايا الإسلامية الراهنة مثل: قضية فلسطين كقضية وطن إسلامي سليب، ومثل قضية الفلبين كقضية وطن إسلامي مجاهد، ومثل قضايا الأقليات وغيرها.
1 / 3
وقد اتسمت دراستنا -بفضل الله- سواء في خطوطها العامَّة، أو في تفصيلاتها، بمناسبة دراسة القضايا الخاصة، اتسمت بفضل الله وحده بالموضوعية والتعمق، بعدًا عن التجريح الشخصي، ثم بلوغًا إلى جذور القضية، وصولًا إلى حلٍّ لها.
ولقد كلَّفنا ذلك أن نرفع الأسماء حتى من المصادر التي نقلنا عنها، إيمانًا منَّا بأنَّ الموضوعية أصلح منهج لبلوغ الإصلاح، فوق أنها اتباع لسنة رسول الله ﷺ الذي كان ييتعد عن كل تجريح شخصي، فيرقى المنبر ليقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، وأخيرًا إيمانًا بأنَّ التطبيق على الأشخاص لا يكون إلّا عند عقد المحاكمات، وليس المجال مجال محاكمة ولا الأوان أوانها.
بيد أننا نؤمن في الوقت ذاته أن أولئك الذين خانوا الأمانة، وشاركوا في طعن قضايا العالم الإسلامي، أولئك لن يفلتوا.
فالأمّة الإسلامية بدأت يقظتها، ولن تعود إلى النوم الذي استغلّوا فيه غفلتها، والتاريخ يكتب ويسطر، وما غطَّاه ظلام الأمس سوف يكشفه نهار للغد.
والله سبحانه من قبل هؤلاء ومن بعدهم يسمع ويرى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ...﴾ .
ونحن نؤمن بعد ذلك أنَّا بإذن الله ورثة هذا العالم، وأننا الأمة الوسط التي جعلها الله على الناس شاهدًا.
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون﴾ . [الصافات ١٧١-١٧٣] .
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة ٥٦] .
1 / 4
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء ١٠٥-١٠٦] .
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور: ٥٥] .
والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
1 / 5
الباب التمهيدي: وضع العالم الإسلامي وموقعه
العالم الإسلامي جغرافيًا
الموقع
...
الباب التمهيدي:
١- العالم الإسلامي جغرافيًّا:
١- الموقع:
ليس العالم الإسلامي كما يصوره الجغرافيون الأجانب نطاقًا صحراويًّا فقيرًا في موارده، متخلفًا في سكانه١.
- بل إنه يقع في "صرة العالم" ممسكًا بأطرافه، متحكمًا في محيطاته وبحاره وخطوط ملاحته، زاخرًا بأهمّ الأنهار، وأخصب الأراضي، وأعظم الثروات.
ومدخلا المحيط الهندي في أرض إسلامية "مضيق ملقا في الشرق بين الملايو وسومطرة، ومضيق باب المندب في الغرب"، وبذا يمكن التحكُّم في الملاحة الدولية بين الشرق والغرب، ومدخلا البحر المتوسط في أرض إسلامية "شرقًا قناة السويس، وغربًا مضيق جبل طارق".
والبحر الأبيض كان يومًا كله بحيرة إسلامية، ولا تزال شواطئه الشرقية والجنوبية كذلك، والبحر الأسود والبحر الميت، والبحر الأحمر كذلك بحيرة إسلامية لولا إسرائيل.
وأنهار النيل ودجلة والفرات ونهر السند ونهر النيجر وغيرها تجري في بلاد إسلامية.
- ويبدأ غربًا عند محيط الطول ١٨ غربًا "بالساحل الإفريقي المطلّ على المحيط الأطلنطي".
_________
١ Boivman mohamadan world. the ceographical Revew،J، ١٩٤٤. p. p. ٦٤ - ٦٥
1 / 9
ويمتد شرقًا إلى حدود إقليم سينكيانج أو التركستان الصينية وباكستان الغربية عند خط الطول ٩٠، أي أنه يمتد ١٠٨ درجة طولية.
- أمَّا عرضًا فيمتد ما بين خط العرض ٥٠ شمالًا "إقليم تركستان" إلى خط العرض ١٠ جنوب خط الاستواء "الجزر الإندونيسية في آسيا"، أمَّا إفريقيا فيمتد إلى جنوب خط الاستواء حتى حدود الصومال.
ويكفي ما انتهى إليه أحد العلماء، من أنَّ مركز العالم كله -إذا أريد رسم دائرة -جغرافيًّا- أن نقول: إن الأمة الإسلامية أمّة وسط في موقعها، وأمثل الشيء أوسطه في كل شيء.
ومن ثَمَّ فإن العالم الإسلامي جغرافيًّا واستراتيجيًّا يتفوق في موقعه على أيّ بقعة في العالم كله.
٢- الموارد الطبيعية:
يقصد بالموارد الطبيعية.
الموارد التي يتكوَّن منها الغلاف الصخري أو القشرة الأرضية الصلبة.
والمواد التي يتكون منها الغطاء النباتي أو الحيواني.
والمواد التي يتألَّف منها الغلاف المائي والغلاف الهوائي.
أمَّا الغلاف الصخري فيشمل:
الثروة المعدنية، والتربة، والمياه الجوفية.
أمَّا الغطاء النباتي والحيواني فيشمل:
الثروة النباتية طبيعية كانت أو زراعية، وما يوجد على سطح الأرض من حيوان.
أما الغلاف المائي فيشمل:
الكائنات البحرية الحية ومنها الأسماك، وكذلك الأملاح المعدنية التي يستخلص منها بعض المعادن.
1 / 10
أمَّا الغلاف الجوي يقصد به:
عناصر المناخ اللازمة للإنتاج مثل:
الحرارة والضوء والأمطار١.
ولا تعتبر هذه الموارد اقتصادية حتى تستغلّ، أو يعرف الإنسان كيف يستغلّها؛ فالفحم، والبترول، والطاقة الشمسية، وغير ذلك، كلٌّ منها لم يكن موردًا اقتصاديًّا أو موردًا للثروة قبل أن يكتشف كيفية استغلاله.
ويمكن تقسيم الموارد الطبيعية إلى:
١- موارد غير قابلة للنَّفاد مثل: الرماد والصلصال.
٢- موارد متجددة مثل: الغطاء النباتي.
٣- موارد سريعة النفاد مثل: البترول والمعادن.
أما الموارد غير القابلة للنفاد:
فيملك العالم الإسلامي منها الكثير:
إن الأرض الخصبة الواسعة الممتدة في السودان، وفي ليبيا، وفي العراق، وفي غيرها من بلاد الإسلام، والصحاري الشاسعة الممتدة في جزيرة العرب، ومصر وغيرها من بلاد الإسلام، تعطي قدرة العالم الإسلامي وامتلاكه للموارد غير القابلة للنفاد.
أما الموارد المتجددة، والخاصة بالغطاء النباتي:
فإن ما يعيشه العالم الإسلامي من فقر وفاقة واحتياج للقمح وغيره من موادِّ الغذاء، كل ذلك مصطنع ومفروض، وإلّا فالعالم الإسلامي الذي يملك أنهار العالم وأغناها بالخصب والنماء "نهر النيل، ودجلة، والفرات، والسند.. إلخ" لا يمكن ولا يتصوّر أن يكون بحاجة إلى نبات يستورده من شرق أو غرب.
_________
١ جغرافية العالم الإسلامي، محمود طه أبو العلا، الطبعة الثانية ١٩٦٦، ص١٢١، ١٢٢.
1 / 11
إن مساحات من الأفدنة تصل إلى الملايين في السودان والعراق وليبيا وباكستان، بل وفي مصر والجزيرة العربية، وهي صالحة وخصبة تمامًا لا تحتاج غير اليد العاملة، أو أنها كانت كذلك وقصرت الهمم والجهود والعقول عن مدِّها بالماء وإعادتها خصبة كما كانت، ويكفي أن نعلم أنَّ مصر كانت تزرع في عهد الرومان أكثر من ٩٠% من أراضيها، وهو أمر ثابت تاريخيًّا، ظلت تنقرض حتى بلغت في العصر الحديث إلى ٥% من أراضيها، وتسعون في المائة معطَّل لا يعمل، ولا ينتج!
أما الموارد سريعة النفاد:
مثل البترول والمعادن.
فيكفي أن نعرف هذه الحقائق:
أ- إن البترول وهو المصدر الأول للطاقة اليوم تنتج منه البلاد الإسلامية ٣٠.٦% من جملة الإنتاج العالمي، تليها الولايات المتحدة "٢٩.٦%".
أما احتياطي العالم الإسلامي فهو ٦٩.٣ من جملة الاحتياطي العالم١، فلو أضفنا إلى ما تصر الشركات الأمريكية والأجنبية على عدم كشفه إلّا في الوقت المناسب -لها طبعًا- لارتفع إنتاج البلاد الإسلامية، ولارتفع احتياطها كذلك.
ويكتفي أن نصرِّح -على مسئوليتنا- في هذا المكان أنَّ مصر تسبح في بحيرة من البترول، حيث يوجد البترول على يمينها وعلى شمالها، لولا إصرار الشركات الأمريكية والأجنبية الآخذة امتياز التنقيب عن البترول -لولا إصرار هذه الشركات على عدم الكشف عنه إلا بقدر!
ب- المعادن الأخرى:
وفي مقدمتها أهمها في الصناعات: الحديد والصلب، يوجد في البلاد الإسلامية في اتحاد ماليزيا، والجزائر والمغرب، وتونس، وتركيا، ومصر.
ويوجد في بلاد أخرى من بلاد المسلمين نعرفها بكميات أضخم تصر القوى العالمية المحتكرة على عدم الكشف عنها احتفاظًا لنفسها بالسرِّ أو بالثروة!
_________
١ المرجع السابق ص٦٦٥، ٢٦٦ وذلك وفقًا لإحصاء ١٩٦١، ونعتقد أنه زاد.
1 / 12
أما أنفس المعادن مثل الذهب والماس واليورانيوم.
فيوجد منه الكثير في بلاد الإسلام، لولا أنَّا لا نريد أن نصرِّح بما أبت هذه البلاد أن تصرِّح به!
أما الطاقات غير البترول:
فتوجد لدينا مساقط المياه التي تتولّد منها الكهرباء، ولدينا الزيت، والغاز الطبيعي، وتوجد في بلاد الإسلام طاقة لم تستغل بعد، وليس للعالم منها إلّا القليل وهي الطاقة الشمسية، وتدل أبحاث جادَّة وجديدة على أنه يمكن أن تتحوّل إلى أهم الطاقات لو أحسن استغلالها١.
أ- القدرة الإنتاجية:
هي تعتمد على ثلاثة عناصر:
١- العنصر البشري.
٢- الخامات.
٣- رأس المال.
فإذا قدر العالم الإسلامي أن يسقط -ولو مرة واحدة- الحدود المصطنعة فيما بين بلاده ودوله ودويلاته، فإنه يصير أكبر قوة اقتصادية في العالم كله.
فنحن نملك:
أ- من العنصر البشري: ألف مليون مسلم٢ لا يتوافر عددهم لأي دولة في العالم، فإذا أضفت إلى هذا العنصر عنصر الإخلاص الذي يتطلَّبه
_________
١ رسالة دكتوراه للأخ محمد عبد الجواد في ألمانيا الغربية.
٢ نشير إلى أنَّ الشعوب الإسلامية من الناحية "الأنتروبولوجية "أي الجنسية" ينتمون إلى ثلاثة أجناس رئيسية: الجنس القوقازي، والجنس الزنجي، والجنس المغولي، كما تمثّل الشعوب الإسلامية الأقسام الفرعية والسلالات الثانوية لهذه الأجناس -ولكن كما قال رب العالمين: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ .
1 / 13
الإسلام من أبنائه، وعنصر الإتقان كذلك، لكانت هذه الثروة البشرية هي أوّل وأكبر ثروات العالم الإسلامي.
ب- الخامات:
وقد قدمنا الحديث عنها، ونزيد أنه لا يوجد في العالم كله مكان تتوافر فيه كل المعادن، وكل الطاقات، وكل الخامات إلّا العالم الإسلامي.
ج- رأس المال:
والمنطقة الإسلامية الآن أغنى مناطق العالم برأس المال، لولا أنَّها تودعه في بنوك أمريكية وانجلترا، وتدعم بذلك اقتصاد هذه الدول من حيث تدري أو لا تدري.
وفي كل يجري خفض بعض العملات الأجنبية -عمدًا- لتتحقق الخسارة في جانب المسلمين المودعين أموالهم في تلك البنوك، وليتحقق الكسب لأصحاب هذه العملات!
وفي إحصاءٍ أخير تقدَّمت إحدى البلاد الإسلامية من حيث الدخل القومي على الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت حتى عهد قريب أغنى دول العالم!
فإذا أضفنا إلى ذلك وجود الأسواق الاستهلاكية ووفرة طرق الملاحة البرية والجوية والبحرية، وتوسط بلاد العالم الإسلامي بين العالم كله شرقه وغربه؛ لعرفنا كيف يمكن أن نكون أكبر قوة اقتصادية في العالم كله.
ولكن متى ينتبه المسلمون، ويملكون أمورهم في أيديهم؟ ١
_________
١ لا نغض بعد ذلك قيمة "التكنولوجيا الحديثة"، وهي التطبيق العلمي لأحدث النظريات، وذلك لازم في مجال الإنتاج لتحسينه كيفًا، وزيادته كمًّا، مع التوفير في التكاليف، وهو ما نندب إليه الأمة الإسلامية ونعتبره فرض كفاية تأثم الأمَّة كلها إن لم تنفر منها طائفة كافية لكفاية حاجة هذه الأمة.
لكننا في الوقت نفسه نشير إلى أن تحصيل أمر "التكنولوجيا" صار سهلًا بفضل الله أولًا ثم بترابط العالم، وبتخطيه-إلى حدٍّ ما- حواجز العصبية في كتمان العلم.
1 / 14
٢- العالم الإسلامي فقهيًّا:
يقسِّم الفقهاء١ العالم إلى دار حرب ودار إسلام.
فالعالم الإسلامي -فقهيًّا- هو دار الإسلام، لكن ما هي دار الإسلام؟
يتفق الفقهاء على أن كل بلد يحكم بالإسلام فهو دار إسلام، لكن ما هو حكم الإسلام حتى لا نختلف في التطبيق؟
لا شكَّ أن شروطًا ثلاثة -مأخوذة من الكتاب والسنة- تلزم الشرعية على حكمٍ ما، للقول بأن الحكم فيه حكم الشريعة أو حكم الإسلام.
وهذه هي الشروط:
١- أن يكون لله الشرع ابتداء:
فذاك خالص حق الله، ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك﴾، ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ .
﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه﴾ .
بيد أن مع دائرة شرع الله، دائرة أخرى، قال فيها رب العالمين:
﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم﴾ ومن ثَمَّ فقد تركت هذه الدائرة لاجتهاد العلماء المجتهدين.
وبهذا يتحقق للتشريع الإسلامي الأصالة الربانية، كما تتحقق له المرونة والقدرة على مواجهة للقضايا، والحاجات المتجددة.
_________
١ راجع بدائع الصنائع جـ٧، ص١٢٠ وما بعدها، والجريمة للإمام أبي زهرة، ص٣٥٦ وما بعدها.
1 / 15
٢- أن تكون شريعة الله هي العليا:
فلا ترفع إليها شريعة، ولا تعلو عليها شريعة.
فإذا ذكر ان الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي، فإن ذلك يعني: إمكان قيام مصادر أخرى إلى جوارها، ومن ثَمَّ فقد ارتفعت هذه المصادر إلى مستواها.
وإذا ذكر أن الشريعة الإسلامية مصدر ثالث، فإن ذلك يعني أن تعلو على شريعة الله شرائع أخرى، وكلا الأمرين خروج على شرط أن تكون شريعة الله هي العليا، ودليله قول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، أي: لا يكن لكم رأي ولا شرع فوق قول الله ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ .
ولا يتصور أن يحرم رفع صوت فوق صوت النبي وأن يحل رفع شرع أو قانون فوق شرع الله ورسوله.
وأخيرًا قول رسول الله ﷺ: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
وكلمة الله اسم جامع لكلماته، وبكلماته نزلت شرائعه!
فدون أن تكون شريعة الله هي العليا قتل وقتال هو في سبيل الله!
٣- أن تطبق شريعة الله كاملة غير مجزأة:
في مجالاتها المختلفة: عقيدة، وأخلاقًا، وشعائر ومعاملات.
فإن خلاف مجال من هذه المجالات عمدًا، فليست شريعة الله هي الحاكمة، ووجب القتال ليكون الدين كله لله ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ .
ودليل هذا الشرط قوله سبحانه: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، وتسميته بعد ذلك بالجاهلية.
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ .
1 / 16
وتسميته في تعطيل حكم واحد حرب الله ورسوله ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ .
وتسميته مضادة ومحادَّة لله ورسوله "من حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله فقد ضادَّ الله في حكمه" ١.
فإذا لم تسد الشريعة بلدًا فهو دار حرب -في رأي الفقهاء إلّا أبا حنيفة.
أمًَّا أبوحنيفة فهو يرى أنها دار الإسلام إن توافر لها شرطان:
شرط الأمان للمسلمين.
وشرط المتاخمة لغيره من بلاد المسلمين.
والبعض يقسِّم دار الإسلام إلى:
١- دار عدل: إذا سادها حكم الشريعة، وحكمها خليفة.
ومن ثَمَّ وجبت الهجرة إليها -على رأي الغالبية.
٢- دار بغي: وهي التي غلب عليها البغاة الخارجون على الخليفة الشرعي، ولا تزال كذلك حتى تستنقذ من أيديهم، ووجبت نصرة الخليفة الشرعي.
٣- دار بدعة: وهي التي غلب فيها حكم البدع، واختفى فيهاحكم السنة، وواجب المسلمين محابة البدعة ليكون الحكم لله.
٤- دار مسلوبة: وهي التي كانت بيد المسلمين تحكم بالإسلام، ثم غلب عليها الكفارة فسلبوها.
_________
١ رواه الترمذي.
1 / 17
وفرض الجهاد لاسترجاعها.
ويقسِّم البعض دار الحرب إلى:
١- دار كفر: وهي التي يسود فيها حكم الكفار.
٢- دار عهد: وهي التي بيننا -نحن المسلمين- وبينهم ميثاق١.
ولكل تقسيم حكمه مما يبحث عادة في مجال أحكام السلم والحرب، أو بالعبارة الحديثة في مجال القانون الدولي!
_________
١ راجع الأخ الأستاذ سعيد حوي: الإسلام، جـ٢، والمراجع المشار إليها.
1 / 18
٣- العالم الإسلامي بين غيره من العوالم:
عرفنا موقع العالم الإسلامي جغرافيًّا.
وعرفنا تقسيم العالم فقهيًّا.
والآن نبحث في تقسيم العالم سياسيًّا:
يتنازع السلطة السياسية على العالم معسكران:
"أ" المعسكر الرأسمالي:
ولئن كانت الرأسمالية مذهبًا اقتصاديًّا، فهو يجد الحماية السياسية؛ بحيث صار علمًا على معسكر بعينه، تسوده الرأسمالية مذهبًا اقتصاديًّا، وتسوده الديمقراطية من الناحية السياسية، وتسوده الوجودية ومذاهب التحرر من الناحية الاجتماعية.
وإلى منتصف هذا القرن -تقريبًا- كانت المملكة المتحدة تتربَّع على عرش الزعامة لهذا المعسكر، لكنها منذ ذلك الحين، وبناءً على رغبتها، طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية أن ترث نفوذها في الشرق الأدنى، ومن ثَمَّ قامت الولايات المتحدة بإرث ما سمحت به بريطانيا، وكذلك ما لم تسمح به، وورثت في النهاية زعامة هذا المعسكر.
وقد ناصرت الولايات المتحدة الأمريكية في الظاهر حركات التحرُّر، وأخفت بذلك تسللها إلى هذه المناطق، تفرض عليها الاستعمار الجديد الذي راحت تفرضه في مناطق كثيرة عن طريق "صناعة الزعماء"، وصناعة الانقلابات، وصناعة الشعارات.
وبذا امتد نفوذ C.I.A "المخابرات المركزية الأمريكية"، ومعها البنتاجون "مبنى وزارة الدفاع الأمريكية"، وأخيرًا البيت الأبيض الأمريكي. امتدَّ
1 / 19
إلى مساحات واسعة خارج ما يُسَمَّى بالمعسكر الرأسمالي، ومن التناقض "الظاهري" أنَّ بعض هذه المساحات ترفع شعار الاشتراكية، وأن تتبع سياسيًّا المعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
ب- المعسكر الاشتراكي:
ونعني بذلك المعسكر الذي يتَّحذ الاشتراكية العلمية منهجًا اقتصايًّا، وقد صار هذا الشعار الاقتصادي رمزًا لهذا المعسكر مميزًا له عن المعسكر الأول.
وهو يتخذ دكتاتورية البروليتاريا "شعارًا سياسيًّا"، كما يتخذ التحلل الأخلاقي والأسري شعارًا اجتماعيًّا.
- وهو وإن بدا متناقضًا مع المعسكر الأول، إلّا أن الحقيقة غير ذلك.
فالمسيطرون على المعسكر الأول من اليهود، هم كذلك المسيطرون على الثاني -كما سنشير بإذن لله-
هذا من ناحية الحقيقة.
وحتى من ناحية الظاهر، فإن المعسكرين يقتريان؛ فالمعسكر الرأسمالي يطَعِّم رأسماليته الآن بشيء كبير من الاشتراكية، مثل تأميم الصناعات الكبيرة، وقوانين حماية العمال، وتحديد ساعات العمل.
والمعسكر الاشتراكي يطعّم اشتراكيته بشيء كبير من الرأسمالية مثل: إدخال نظام الحوافز، والسماح بالملكيات الصغيرة، والسماح بالنظام الأسري ... إلخ.
هذا من الناحية الاقتصادية.
ومن ناحية السياسية الخارجية، فمنذ أزمة كوبا سنة ١٩٦٢ بدأت سياسة
1 / 20
الوفاق، وهي شبيهة بما اتفقت عليه انجلترا وفرنسا سنة ١٩٠٤ من اتفاق ودي، ونعتقد أنه وفقًا لسياسة الوفاق تَمَّ توزيع النفوذ بين القوتين العظميين.
كذلك تَمَّ التقارب بين الولايات المتحدة والمارد الشيوعي الجديد "الصين"، بقدر ما تَمَّ التباعد بين الأخيرة وبين الاتحاد السوفيتي.
ولا شكَّ أن الشيوعية تعيش هذه الأيام شبابها فلم يمض عليها غير خمسين عامًا، وهي مدة بسيطة في عمر الأمم، بينما تعيش الرأسمالية شيخوختها، وهو ما يمكن أن نستنتج منه أن الشيوعية هي الوريث الطبيعي للرأسمالية -ما لم ينهض أصحاب المعسكر الثالث- وهو ما بدا من اتساع رقعة الشيوعية يومًا بعد يوم، والتهامها لفيتنام ولاوس، وكمبوديا، واستمرارها في الالتهام.
ج- المعسكر الإسلامي:
ونحن نضعه معسكرًا ثالثًا إلى جوار المعسكر العظيميين.
باعتبار ما سيكون وهو قريب بإذن الله.
وباعتبار ما كان وهو قريب كذلك، لم يمض عليه إلّا قرابة نصف قرن.
لقد كان العالم الإسلامي يومًا هو المعسكر الوحيد الذي لا يناطحه معسكر آخر، ولسوف يكون كذلك بإذن الله.
وهو بمقتضى عدده، وموقعه، وطاقاته، وخبراته، يمكن، بل ينبغي أن يأخذ المقام الأول.
وما يعتريه اليوم من ضعف وتفكك هو وليد مؤامرات المعسكرين ومن وراءهما، وهو بحول الله تعالى وقوته، ثم يقظة أبنائه، ثم بمتضى سنن الله في كونه، سوف ينهض وسوف يعود.
وعلى أعداء الإسلام أن يختارو لأنفسهم ليوم قريب:
إما أن يكفوا عن حربنا في ديننا، وعن إخراجنا من ديارنا؛ ليكونوا
1 / 21
في مقام الأصدقاء، وإلا فليختاروا لأنفسهم موقع الأعداء، ويومئذ سوف ننفذ فيهم قول الله تعالى:
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ .
ويشير البعض بعد ذلك إلى معسكر أو مجتمع وثني١.
لكننا لا نجد له وجودًا سياسيًّا، وما دام التقسيم أساسه سياسيًّا فلا ينبغي أن يكون المجتمع الوثني معسكرًا مستقلًّا، والله أعلم.
_________
١ الأستاذ محي الدين القغماني في مذكرة "حاضر العالم الإسلامي" وضع تحته الديانات الهندوسية والبوذية والسيخ والكنفوشية والطوطمية.
1 / 22
الباب الأول: واقع العالم الإسلامي
الفصل الأول: الواقع الفكري للعالم اللإسلامي
مدخل
...
الباب الأول: واقع العالم الإسلامي
الفصل الأول: الواقع الفكري للعالم الإسلامي
تقدمة:
قد يتداخل الحديثي عن الواقع الفكري مع الحديث عن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، باعتبار تفاعل هذه العناصر وتأثيرها المتبادل، لكننا نحاول بقدر الإمكان أن نستخلص هذا العنصر من بين تلك العناصر، محيلين إليها عند لزوم التفصيل إن شاء الله.
بيد أننا نقدِّم هذا العنصر على غيره من العناصر باعتبار أن أهمية الفكر من الأمة كأهمية الرأس من الجسد.
ولئن كانت العقيدة مكان القلب من الجسد، فإن السبيل الرئيسي إليها هو الفكر، ولذا كان عنصرا الإيمان: العلم والعمل، علم القلب وعمله، والعلم سبيله الفكر.
ولسوف تؤخر الحديث عن العقيدة إلى الحديث عن الواقع الاجتماعي باعتبار التناسق وليس الأهمية.
والنظرة المتعمقة إلى الواقع الفكري للأمة الإسلامية تؤدي إلى القول بأنَّ الأمة التي كان فكرها مستمدًّا ومصطبغًا بعقيدة التوحيد وشريعة القرآن، لم يعد فكرها كذلك.
والنظرة المتعمقة كذلك تؤدي إلى القول بأن الأفعى اليهودية التي أحنت أو أخفت رأسها حينًا، قد عادت فأطلَّت برأسها شيئًا فشيئًا، ثم راحت تنفث سمومها، سموم الفساد، وتشعل أو تؤجج نيران الفتن، ولا تزال تفعل حتى اليوم.
1 / 25
وشرب الغرب المسيحي سموم الأفعى اليهودية، وتلوَّى كما تلوَّت، وتلوَّن كما تلونث، وتظهر كذلك في شكل نظريات وفلسفات.
وشرب الشرق الشيوعي من السموم أكثر، ونفث بالتالي من الحقد ما هو أشد.
وكان كل ذلك على حساب الإسلام، بعد أن ضاعت أو ضيعت المسيحية في غمضة عين.
ووقف الإسلام، عقيدةً وفكرًا شامخًا؛ لأنه من عند الله الذي قطع العهد على نفسه أن يحفظه، لكن أهل الإسلام اصابهم -فكرًا- ما أصابهم، فإن يعودوا بعد إليهم ما ضاع، وأن يتولوا يستبدل الله بهم قومًا غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم.
ونتحدث بإذن الله على التوالي حول:
١- الأفعى اليهودية تنفث سمومها.
٢- الفكر الغربي الصليبي في الشرق الإسلامي.
٣- الفكر الماركسي اليهودي في الشرق الإسلامي.
والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
1 / 26
الأفعى اليهودية تنفث سمومها:
لا نريد أن نقع فريسة التهويل، كما لا نودّ أن نقع فريسة التهوين؛ فكلاهما إفراط وتفريط، بل نكون بين ذلك قوامًا، هو الوسط الأمثل الذي اخترناه منهاجًا لكتاباتنا، كما هو بإذن الله منهاج حياتنا.
وانطلاقًا من ذلك نقول بعون الله:
ليس صحيحًا أنه منذ مؤتمر "بال" ١٨٩٧ بدأت الأفعى اليهودية تنفث سمومها.
وليس صحيحًا كذلك أن الأمر بدأ قبل ذلك بقرنين، حين دعا الحاخام ليفا "١٥٢٠-١٦٠٩م" إلى اتخاذ فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود.
لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير،
إنه منذ بزوغ فجر الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا حين كانوا يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءؤهم ما عرفوا كفروا به.
وإنه من قبل الإسلام منذ بزوغ فجر المسيحية حين ناصبوا المسيح عبد الله ورسوله العداء.
فمنذ ألفي عام "عشرين قرنًا" سجَّل التاريخ قيام الجمعية الخفية التي ناصبت المسيح العداء، واستمرَّت حتى جاء الإسلام فناصبته العداء، حتى تسمَّت في القرن السابع عشر "١٧١٧" باسم "الماسونية"، ومارست دورها حقدًا على الأديان، وتحطيمًا لكل البشر من الجوييم "غير اليهود".
ثم سلخت جلدها وتلوَّنت بأسماء جديدة لما تكشف أمرها:
بناي برث/ شود يهوه/ المشرق التوراني/ الليونز/ الروتاري/ الكك
1 / 27