بيضاء، وضياعها علي روابي وتلال مثل الكواكب قد أحيطت بها المياه من كل وجه، [ق 15 ب] فلا سبيل إلي قرية من قراها إلا في الزوارق. وأما المسكة السوداء فإن في أشهر بابة وهاتور وكيهك ينكشف الماء عن الأرض فتصير أرضا سوداء، وفي هذه الأشهر تقع الزارعات، وأما الزمردة الخضراء فإن في أشهر طوبة وأمشير وبرمهات يكثر نبات الأرض وربيعها فتصير خضراء كأنها زمردة. وأما السبيكة الحمراء فإن في أشهر برمودة وبشنس يتورد العشب ويبلغ الزرع الحصاد، فيكون كالسبيكة (1) التى من الذهب منظرا ومنفعة.
وقال بعضهم في معني ذلك أن فصل الربيع مليح، تضحك الأرض من بكاء السماء ذهب حيث ما ذهبنا، ودر حيث درنا وفصة الفضاء.
ويقال لما خلق الله تعالي آدم (عليه السلام) ومثل له الدنيا شرقها وغربها وسهلها وجبلها وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها ومن يسكنها من الأمم ومن يملكها من الملوك.
فلما رأى مصر أرضا سهلة ذات نهر جار مادته من الجنة، تنحدر فيه البركة، ورأي جمالا من جبالها مكسوا نورا لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة في سفحه [ق 16 أ] أشجار مثمرة، وفروعها في الجنة تسقي بماء الرحمة، فدعا آدم (عليه السلام) في النيل بالبركة ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك في نيلها وجبالها (2) سبع مرات فكان آدم (عليه السلام) أول من دعا لها بالبركة والرحمة والخصب والرأفة، وكذلك نوح (عليه السلام) دعا لها بالبركة.
وقال كعب الأحبار: لو لا رغبتي في بيت المقدس لما سكنت إلا مصر. فقيل له: لم؟
فقال: لأنها بلد معافاة من الفتن، ومن أرادها بسوء قصمه الله تعالى واكبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وقال: بعضهم لو زرعت مصر كلها لوفيت بخراج الدنيا بأسرها، ومن فضائل مصر:
أنه ولد بها من الأنبياء موسي وهارون ويوشع وعيسي بقرية يقال لها اهناس (3) من نواحي صعيد مصر، وبها النخلة المذكورة في القرآن في قوله تعالي وهزي إليك بجذع النخلة (4).
पृष्ठ 27