وقد كان وقع إليه من العلوم التى كان رواميل قد علمها لآدم (عليه السلام)، فلم يزل يقهر الجبابرة الذين (1) كانوا قبله وملوكهم، ثم أمر أن تبنا له مدينة مكان خيمته، فقطعوا الصخور من الجبال وآثار ومعادن الرصاص، وبنوا وزرعوا وعمروا الأرض، ثم أمر ببناء المدائن والقرى واسكن كل ناحية من الأرض أقاربه وأصحابه، ثم أمر بحفر النيل حتى أخرجوا ماء إليهم ولم يكن قبل ذلك [ق 10 ب] معتدل في مجريانه، وإنما كان ينبطح ويتفرق فى الأرض حتي وجه إلي النوبة، وهندسوه وساقوا منه أنهارا إلي مواضع كثيرة من المدن.
وقيل أن قليمون الكاهن خرج من مصر والحق بنوح (عليه السلام)، وأمن به هو وأهله وولده وتلاميذه، وركب معه في السفينة وزوج ابنته بنيصر بن حام بن نوح (عليه السلام)، فلما خرج نوح من السفينة وقسم الأرض بين أولاده وكانت أبنة قليمون قد ولدت لبنيصر ابنا سماه مصرايم، فقال قليمون لنوح: ابعث معى يا نبي الله ولد أبنتي حتي أمضي به بلدي «يعنى مصر»، وأظهره علي كنوزه وأوقفه علي علومه ورموزه. فأرسله نوح (عليه السلام) مع جماعته من أهل بيته، فلما قرب من مصر بني له عريشا من أغصان الشجر وستره بحشيش الأرض، ثم بني له بعد ذلك في هذا الموضع مدينة سماها درسان أى الجنة، وزرع وغرس فيها الأشجار فصارت هناك زروع وعمارة، وكان الذي مع مصرايم جبابرة فقطعوا الصخور وينوا المعالم والمصانع وأقاموا أرغد عيش، ويقال أن لما غرست الأشجار بمصر فكانت ثمارها [ق 11 أ] عظيمة بحيث تشق الأترجة نصفين فيحمل البعير نصفها، وكان القثاء فى طول أربعة عشر شبرا.
وقيل أن مصرايم أول من صنع السفن بالنيل، وأن سفينة كانت طولها ثلاثمائة ذراع في عرض مائة ذراع ، ويقال أن مصرايم نكح امرأة من بنات الكهنة فولدت له ولدا، يقال له قبطيم، ونكح قبطيم بعد سبعين سنة من عمره امرأة فولدت له أربعة نفر: أنه قبطيم وأشمون وأتريب وصا، فكثروا وعمروا الأرض وبورك فيها، وقيل إنه كان عدد من وصل معهم ثلاثين رجلا، فبنوا مدينة سموها ناقة، ومعنى ناقة يعني مدينة ثلاثون بلغتهم وهي منف، وكشف أصحاب قليمون الكاهن عن كنوز مصر وعلومها وآثار المعادن وعمل الطلسمات وعمل الكيمياء، ثم أن مصرايم أمرهم عند موته أن يحفروا له في الأرض سربا، وأن يفرشوه بالمرمر الأبيض، ويجعلو فيه جسده ويدفنوا معه جميع ما فى خزائنه من الذهب والجوهر، وكتبوا عليه أسماء الله
पृष्ठ 20