ونصبنني غرض الرماة تصيبني ... محن أحد من السيوف مضاربا
أظمتني الدنيا فلما جئتها ... مستسقيًا مطرت علي مصائبا
وحبيت من خوص الركاب بأسود ... من دارش فغدوت أمشي راكبا
حال متى علم ابن منصور بها ... جاء الزمان الي منها تائبا
ملك سنان قناته وبنانه ... يتباريان دمًا وعرفًا ساكبًا
يستصغر الخطر الكبير لوفده ... ويظن دجلة ليس تكفي شاربا
كرمًا فلو حدثته عن نفسه ... بعظيم ما صنعت لظنك كاذبا
سل عن شجاعته وزره مسالمًا ... وحذار ثم حذار منه محاربا
فالموت تعرف بالصفات طباعه ... لم تلق خلقًا ذاق موتًا آئبا
أن تلقه لا تلق إلا جحفلًا ... أو قسطلًا أو طاعنًا أو ضاربا
أو هاربًا أو راغبًا أو طالبًا ... أو راهبًا أو هالكًا أو نادبا
وإذا نظرت إلى الجبال رأيتها ... فوق السهول عواسلًا وقواضبا
وإذا نظرت الى السهول رأيتها ... تحت الجبال فوارسًا وجنائبا
وعجاجة ترك الحديد سوادها ... زنجًا تبسم أو قذالًا شائبا
فكأنما كسي النهار بها دجى ... ليل وأطلعت الرماح كواكبا
قد عسكرت معها الرزايا عسكرًا ... وتكتبت فيها الرجال كتائبا
أسد فرائسها الأسود يقودها ... أسد تصير له الأسود ثعالبا
في رتبة حجب الورى عن نيلها ... وعلا فسموه علي الحاجبا
ودعوه من فرط السخاء مبذرًا ... ودعوه من غصب النفوس الغاصبا
هذا الذي أفنى النضار مواهبًا ... وعداه قتلًا والزمان تجاربا
ومخيب العذال مما أملوا ... منه وليس يرد كفًا خائبا
هذا الذي أبصرت منه حاضرًا ... مثل الذي أبصرت منه غائبًا
كالبدر من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نورًا ثاقبا
كالبحر يقذف للقريب جوهرًا ... جوادًا ويبعث للبعيد سحائبا
كالشمس في كبد السماء وضوؤها ... يغشى البلاد مشارقًا ومغاربا
أمهجن الكرماء والمرزي بهم ... وتروك كل كريم قوم عاتبا
شادوا مناقبهم وشدت مناقبا ... وجدت مناقبهم بهن مثالبا
لبيك غيظ الحاسدين الراتبا ... أنا لنخبر من يديك عجائبا
تدبير ذي حنك يفكر في غد ... وهجوم غر لا يخاف عواقبا
وعطاء مال لو عداه طالب ... أنفقته في أن يلاقي طالبا
خذ من ثناي عليك ما أستطيعه ... لا تلزمني في الثناء الواجبا
فلقد دهشت لما فعلت ودونه ... ما يدهش الملك الحفيظ الكاتبا
وقال يمدح ابا أيوب:
سرب محاسنه حرمت ذواتها ... داني الصفات بعيد موصوفاتها
أفى فكنت إذا رميت بمقلتي ... بشرًا رأيت أرق من عبراتها
يستاق عيسهم أنيني خلفها ... تتوهم الزفرات زجر حداته
وكأنها شجر بدت لكنها ... شجر جنيت المر من ثمراتها
لا سرت من ابل لو أن فوقها ... لمحت حرارة مدمعي سماتها
وحملت ما حملت من هذي المها ... وحملت ما حملت من حسرتها
اني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سرابيلاتها
وترى المروة والفتوة والأبوة ... في كل مليحة ضراتها
هن الثلاث المانعاتي لذتي ... في خلوتي لا الخوف من تبعاتها
ومطالب فيها الهلاك أتيتها ... ثبت الجنان كأنني لم آتها
ومقانب بمقانب غادرتها ... أقوات وحش كن من؟ أقواتها
أقبلتها غرر الجياد كأنما ... أيدي بني عمران في جبهاتها
الثابتين فروسة كجلودها ... في ظهرها والطعن في لباتها
العارفين بها كما عرفتهم ... والراكبين جدودهم أماتها
فكأنها نتيجت قيامًا تحتهم ... وكأنهم ولدوا على صهواتها
أن الكرام بلا كرام منهم ... مثل القلوب بلا سويداواتها
تلك النفوس الغالبات على العلى ... والمجد يغلبها على شهواتها
سقيت منابتها التي سقت الورى ... بيدي ابي أيوب خير نباتها
ليس التعجب من مواهب ماله ... بل من سلامتها إلى أوقاتها
عجبًا له حفظ العنان بأنمل ... ما حفظها الأشياء من عاداتها
لو مر يركض في سطور كتابة ... أحصى بحافر مهره ميماتها
1 / 36