دعاها الردى بعد الردى فتتابعت ... تتابعَ منبتِّ الفريد المنظم
سلامٌ على تلك الخلائق إنها ... مسلمةٌ من كلّ عار ومأتم
مساعٍ عظامٌ ليس يبلى جديدها ... وإن بليت منهم رمائمُ أعظم
ولا عجبًا للأسدِ إن ظفرت بها ... كلابُ الأعادي من فصيح وأعجم
فحَربَةُ وحشيّ سقت حمزة الردى ... وموتُ عليّ من حسام ابن مُلجمِ
أبا مسلمٍ لا زلت من مودع لنا ... من المزن مسكوب الحيا ومسلم
مدامعُ باكٍ من بني الغيث والهٍ ... أُعاركها أم ضاحكٍ متبسم
لئن لم تمت نهب السيوف ولم تُقم ... بواكيك أطراف الوشيج المقوم
لبا لرَّكضِ من آل المنية مُعلمًا ... إلى كلّ قرمٍ بالمنية معلم
وحملك ثقلَ الدرع يحَمى حديدها ... على حرّ جسمٍ بالحديد مهدم
وما جدثٌ فيه ابتسامك للندى ... إذا أظلمت أجداثُ قومٍ بمظلم
شعر المتنبي
قال أبو الفرج
هو احمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفي الكندي الصوفي المعروف بالمتنبي الشاعر المشهور.
وهو من اهل الكوفة. وقدم الشام في صباه وجال في أقطارها واشتغل بفنون الادب ومهر فيها.
وكان من المكثرين من نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحوشيها، ولا يسأل عن شيء إلا استشهد به بكلام العرب من النظم والنثر.
وأما شعره فهو في النهاية من الجودة فمن ذلك ما روى له الشيخ تاج الدين الكندي ﵀ بيتين لا يوجدان في ديوانه وكانت روايته لهما بالإسناد الصحيح وهما:
أبعيمِ مفتقرٍ إليك نظرتني ... فأهنتني وقذفتني مِن حالق
لستَ الملوم أنا الملومُ لأنني ... أنزلت آمالي بغيرِ الخالق
ولمّا كان بمصر مرض وكان له صديق يغشاه في علته فلما أبلّ انقطع عنه فكتب إليهوصلتني وصلك الله معتلًا، وقطعتني موبلًا، فإن رأيت ان لا تحبب العلة إليّ ولا تكدر الصحة عليّ فعلت إن شاء الله تعالى قال أحمد بن محمد النامي الشاعر المشهور أود أن كون سبقت المتنبي إلى بيتين قالهما وهما
رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي من غشاءٍ من نبال
فصرتُ إذا أصابتني نبالٌ ... تكسرتِ النصالُ على النصال
والبيت الثالث
في جحفلٍ سترَ العيون غبارهُ ... فكأنما يبصرونَ بالآذانِ
واعتنى العلماء بديوانه وشرحوه بشروح عدة ما بين مطولات ومختصرات ولم يفعل هذا بديوان غيره، وإنما قيل له المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الأخشيدية فأسره وتفرق أصحابه فحبسه، ثم رجع عن ادجعاء النبوة وتاب وحسن مذهبه. وقيل إنه قال أنا أول من تنبأ بالشعر. ثم التحق بسيف الدولة ابن حمدان في سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة ثم فارقه ودخل مصر سنة ست وأربعين وثلاث مئة ومدح كافورًا الأخشيدي (وانوجور) ابن الأخشيدي. وكان يقف بين يدي كافور وفي رجليه خفان وفي وسطه سيف ومنطقة ويركب بحاجبين من مماليكه وهما بالسيوف والمناطق. ولما لم يرضه هجاه وفارقه ليلة عيد النحر سنة خمسين وثلاث مئة ووجه خلفه كافور رواحل إلى جهات شتى فلم يلحق به. وكان كافور وعده بولاية بعض أعماله فلما رأى تعاليه في شعره وسموه بنفسه خافه وعوتب فيه فقال يا قوم من ادعى النبوة بعد محمد ﷺ أما يدعي المملكة مع كافور فحسبكم. قال أبو الفتح بن جني النحوي كنت قرأت ديوان أبي الطيب المتنبي عليه فقرأت عليه قوله في كافور القصيدة التي أولها
أغالبُ فيك الشوك والشوقُ أغلبُ ... وأعجبُ من ذا الهجر والوصلُ أعجبُ
حتى بلغت إلى قوله:
ألا ليت هل أقولُ قصيدة ... فلا أشتكي فيها ولا أتعتبُ
وبي ما يذود الشعرَ عني أقله ... ولكن قلبي يا ابنة القوم قلّبُ
فقلت له: يعز علي كيف يكون هذا الشعر في غير سيف الدولة. فقال: حذرناه وأنذرناه فما، ألست القائل فيه: أخا الجود أعط الناس ما أنت مالك=ولا تعطينّ الناس ما أنا قائلُ
1 / 30