كما روى «مسلم» في إفراده عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أملت على كاتبها: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين» (بشرح النووي ج5، ص129-130).
والإشارات من جانب السيدة عائشة إلى دور الجمع في عهد الخليفة عثمان فيما حدث تعود بلا شك إلى كون عثمان قد حمل الناس على مصحف واحد، ثم حظر ما عداه، بل وحسم الأمر فحرق ما عداه من صحف قرآنية. وقد عقب د. طه حسين على ذلك بقوله: إن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال: نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف، وعثمان حين حظر ما حظر من القرآن، وحرق ما حرق من الصحف، إنما حظر نصوصا أنزلها الله وحرق صحفا كانت تشتمل على قرآن أخذه المسلمون عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وما كان ينبغي للإمام أن يلغي من القرآن حرفا أو يحذف نصا من نصوصه. وقد كلف كتابة المصحف نفرا قليلا من أصحاب النبي، وترك جماعة القراء الذين سمعوا من النبي وحفظوا عنه، وجعل إليهم كتابة المصحف، ومن هنا نفهم سر غضب ابن مسعود، فقد كان ابن مسعود من أحفظ الناس للقرآن، وهو فيما يقول قد أخذ من فم النبي
صلى الله عليه وسلم
سبعين سورة من القرآن، ولم يكن زيد بن ثابت قد بلغ الحلم بعد. ولما قام ابن مسعود يعترض الأمر، رافضا تحريق صحف القرآن أخرجه عثمان من المسجد إخراجا عنيفا، وضربت به الأرض فدقت ضلعه.
6
وبعد، فإن ما قدمناه هنا على عجالة، ليس دفاعا عن كتاب الله الكريم، فالكتاب متكامل بذاته، مستغن عن مثل ذلك الدفاع، وليس دفاعا عن عقيدة أو دعوة، فقد بلغ الإسلام تكامله واستقراره في حياة صاحب الدعوة
صلى الله عليه وسلم ، وهو الأمر الذي لا يخشى معه عرض مسألة من المسائل التي تشغل بال المسلم. ومن ثم فقد حاولنا إبراز شذرات قليلة في الروايات، تشير إلى ارتباط الوحي بواقعه أثبتها الكتابان السالفان في هذا المجلد، اللذان ربطا الوحي بكل حادثة موضوعية كانت تحدث في واقع زمن الدعوة. وكانت محاولتنا بالأساس محاولة لفهم ظاهرة النسخ، مستندة إلى اعتبار الواقع مقياسا لفهم حركة النص المرتبط به، فينفعل به، ويفعل فيه، من أجل مصالح ومنافع وغايات أعم في فضلها، وحسبي هنا إخلاصي النية في الجهد للفهم. وهو الجهد الذي ربما أصاب ذلك غاية المراد، وربما أخطأ ولا جناح هنا من الطموح إلى ثواب الأجر الواحد، وربما كان جهد المحاولة بين الصواب والخطأ، وربما ألمح إلى طريق حان ولوجه، بكفاءة المقتدرين عنا من متخصصين، وربما كان كل الجهد بلا طائل لسقوطه في أخطاء غابت عنا. لكن اليقين الذي نعيه تماما ونعتقده ولا نحيد عنه، هو تكامل الوحي وتفاعله التاريخي العظيم مع واقعه، فلم يدخله باطل ولا زيف، ذلك الوحي الكريم الذي جمعته صفحات القرآن الكريم، ووصفه الله عز وجل بأنه:
अज्ञात पृष्ठ