ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه (البقرة: 191).
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (التوبة: 5).
ومن ثم بات واضحا أن جمع الآيات المنسوخة إلى جوار الآيات الناسخة، أنشأ نوعا من التضارب الظاهري في الآيات، جل الله تعالى عن ذلك. وقد ذهب العلماء في تعليل ذلك إلى القول بأن بقاء المنسوخ هو من قسم المنسأ، وهو ما يقول فيه السيوطي: «فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى ... بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة تقتضي ذلك الحكم، بل ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله، وقال مكي: ذكر جماعة: أن ما ورد من الخطاب مشعرا بالتوقيت والغاية، مثل قوله في البقرة:
فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ، محكم غير منسوخ؛ لأنه مؤجل بأجل.»
5
وهكذا، وتأسيسا على الأخذ بمبدأ أزلية الوحي، أرجع الأمر لباب جديد هو باب المنسأ، بينما الآية التي يوردها السيوطي
فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره
تشير إلى الظرف الموضوعي الذي تجادل معه الوحي وتفاعل. مما أدى لتغير موقف الوحي وتبدله مع تغير وتبدل ذلك الظرف وما يطرأ فيه من تحولات. فالمعلوم أن موقف الإسلام من المسيحية، كان في البداية موقفا مهادنا متسامحا يؤكد حرية الاعتقاد، وأن في الإنجيل هدى ونورا، وأن القرآن جاء يصادق على ما سبق وورد فيه، وأن الله رفع أصحابه فوق الكافرين إلى يوم القيامة. لأسباب ظرفية واضحة في حاجة المسلمين إلى دار هجرة لدى نجاشي الحبشة المسيحية، وحيث رددت شفاه المسلمين هناك الآيات عن المسيح وأمه، فكان أن أحسن استقبالهم ووصلهم بالود والرحمة.
كذلك الحال في الموقف من اليهودية واليهود، فقد كانت يثرب دار هجرة للمسلمين، بينما كانت معقلا كبيرا ليهود الجزيرة، وكانت «المصلحة» والحكمة تستدعي أن تسبق المسلمين، المهاجرين إلى يثرب، آيات تردد ذكر أنبياء بني إسرائيل، وقصص العهد القديم، والقرار بأن الله فضلهم على العالمين، وأن توراتهم فيها هدى ونور، وعليهم الحكم بما جاء فيها. وكان أول عمل سياسي هام قام به المصطفى
صلى الله عليه وسلم
अज्ञात पृष्ठ