وما يجب عليه من ذلك من كان في جزيرة لا علم له بالناس، ولا الشرائع فعليه في حال التكليف: أن يعلم أن له خالقا خلقه، وصانعا صنعه ودبره. يقع له دليل ذلك، من طريق العقل، على ما يراه من خلق نفسه، ويعلمه من خلق السموات والأرض، والليل والنهار، واختلاف الأحوال.
ويجب عليه الكف، عما قبح في عقله، من مثل قتل الحيوان، وأكل لحومها، لأن إيلام الحيوان، وقتل ذوات الأرواح، أن ينكر عليه؛ لأن ذلك الفعل في العقل جور؛ لأنه لو أتاه آت، يريد ألمه، لكان يرى ذلك جورا في العقل.
والزنج الذين هم بسفالة وغيرهم من أطراف الأرض الذين لم يبلغوا، ما بلغ غيرهم من أهل الإسلام، عليهم أن يعرفوا بعقولهم أن الأشياء التي يرونها، لها خالق ومدبر، وليس كمثله شيء، لا عذر لهم من ذلك.
وإن كان جائزا في عقولهم، وحسنا ليس بقبيح، أن يكون لهذا الرب رسولا معبر. فعليهم أن يسألوا عن ذلك. وبالله التوفيق.
الباب السادس والمائة
في تكليف الكفار
إن الله تعالى كلف عباده، العقلاء البالغين، من الجن والإنس أجمعين، هذا التكليف الاختياري، المتقدم ذكره. وإنما كفر من كفر، من الجن والإنس؛ لسوء اختيارهم لأنفسهم للكفر، واستحبابهم له، على الإيمان والعمى على الهدى.
فأولهم إبليس أبو الجن، وأولهم آدم أبو البشر وحواء. لولا أن تداركهما الله برحمة منه، حتى تابا لله، لكانا من الهالكين. وأولهم: قابيل قاتل هابيل فالكفار أجمع مكلفون.
وقيل لأبي محمد عبدالله بن محمد بن بركة: تكليف من علم الله أنه يؤمن أو يكفر حسن؟
فقال: نعم.
وإنما تكون الطاعة طاعة، والمعصية معصية، من قبل الأمر والنهي. فأما بمواقعة الإرادة والمراد، فلا تكون طاعة لموافقة العلم.
पृष्ठ 90