قال المؤلف: يقال لمن قال: إن أهل التوحيد إنما يعذبون في النار، بقدر أعمالهم، ثم يخرجون منها. وإنما الخلود لأهل الجحود من أهل الكفر يقال لهم: فما الدليل على ذلك؟ فأهل التوحيد، لو كان يكفيهم التوحيد، عن العمل بالإيمان، وموتهم عليه، ما قال الله تعالى: { وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها أبدا } فالمنافقون والمنافقات، هم أهل التوحيد؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يغن ذلك عنهم شيئا من الخلود في النار، ولما قالت اليهود والنصارى { نحن أبناء الله وأحباؤه } يعنون أنا عند الله بمنزلة الولد، إن عذبنا فإنما يعذبنا بقدر ذنوبنا. وقالت اليهود: { نحن أبناء الله وأحباءه } قال الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : { قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } وذكر لهم الخلود في موضع آخر. فقال - عز وجل - : { وقالوا } يعني أهل الكتاب اليهود: { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا لن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون. بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .
وقال في المقربين من هذه الأمة: { ليس بامانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به } الآية. فسوى بينهم وبين أهل الكتاب { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها } .
وإن احتجوا بقوله تعالى: { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك } فقد شاء لهم الخلود، حيث قال: { خالدين فيها أبدا } لأنه تعالى قد جمع الكفار والموحدين في آية واحدة جميعا، وأعد لهم الخلود. وقوله: { إلا ما شاء ربك } فقد شاء لهم الخلود، حيث أخبر بخلود أهل النار.
पृष्ठ 135