وأنا مثلكم، ما أنا بخير منكم؛ كلنا في غفلة عن الآخرة. فهل يكون لنا من هذه المجالس مذكِّر بها؟ هل نخرج من رمضان ونحن أقرب إلى الله، أم يمرّ بنا كما مرّ من قبله رمضان ورمضان، وعشر وعشرون وثلاثون من شهور رمضان؟
لقد عرفت رمضان أول مرة في قلب الصيف، ثم رأيته قد دار حتى صار في قلب الشتاء، ثم عاد فصار في الصيف، ثم صار في الشتاء. يمرّ بالشتاء وبالصيف، ونمرّ نحن قومًا بعد قوم، نولد ونعيش ونموت، ورمضان يدور. لقد رأيت ثلاث دورات كل دورة في خمس عشرة سنة، مرّت كأنها يوم واحد. إني لأفكّر في رمضان الأول فأراه من وراء خمس وأربعين سنة كأنها كانت أمس. قد مرت الأيام ولم نحسّ بها، ولكنّا خسرناها من أعمارنا.
تأتي الإجازة الصيفية ثلاثة أشهر فنراها في أولها طويلة، فإذا هي قد مرّ منها أسبوع ما شعرت به، ويكون يوم الجمعة فلا تحسّ إلا وقد جاءت الجمعة الأخرى، ثم جاء أسبوع جديد، ثم مضى الشهر، ثم انصرمت العطلة ورجعَت المدرسة!
فنحن نخسر أعمارنا بمرور الزمان، وبخسارة العمر نخسر كل شيء، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿والعَصْرِ، إنّ الإنسانَ لَفي خُسر﴾. لقد فسّروا العصر تفسيرات كثيرة، ولكن هذا هو التفسير الذي كشفه الله لي: العصر هو الزمان.
ونحن حين نقسم بشيء نكون قد عظّمناه التعظيم المطلَق الذي هو روح العبادة، ولذلك لم يَجُز الحلف بغير الله لأن العبادة له وحده، أما قَسَم الله في القرآن بشيء فإنما يكون لتنبيه الناس إلى
1 / 24