الامتحان الأعظم في الآخرة.
ولكن الغافلين المساكين الذين أُصيبوا بقِصَر النّظر فلا يرون إلا ما بين أيديهم، يحسبون أن حياة الإنسان هي هذه الأيام التي يقضيها في الدنيا، ولو وضع على عينيه نظارات الشرع -لمداواة ما به من قِصَر النظر- لرأى أن الطريق أمامه طويل، وأن السفر بعيد، وأن هذه الحياة الدنيا مرحلةٌ من مراحل العمر ليست هي العمر.
إننا كركب مسافرين يقطعون ما بين المشرق والمغرب نزلوا ساعة يستريحون، فالأحمق يحسب أن الطريق انتهى، فيأكل زاده ويسّيب دابته ولا يعد العدّة للمسير، فإذا قامت القافلة ومشت تخلّف عنها أو ضلّ في البادية أو مات من الجوع. والعاقل من يعلم أن عليه أن يُريح راحلتَه ويَعْلِفها ليقطع الطريق عليها، ويوفّر زادَه ليكفيه أيام الرحلة.
وما هذه الحياة؟ ما مدتها؟ سبعون سنة، مئة سنة، مئة وخمسون؟ هل يعيش أحدٌ أكثرَ من مئة وخمسين سنة؟ وما مئة وخمسون بالنسبة إلى الآخرة؟ بل هَبوه عاش عمر نوح، قريبًا من ألف سنة، فما ألف سنة؟ إنها كيوم واحد من أيام الآخرة، بل إن في الآخرة يومًا مقداره خمسون ألف سنة!
فأين نحن من ذكر الآخرة؟ لقد نسيناها وشغلتنا عنها تُرّهات الدنيا وهموم العيش والتقاتل على حطام فانٍ لا يبقى منه بعد الموت شيء. إننا نرى الأموات تمرّ بنا مواكبهُم كلَّ يوم، ولكنّا نظن أن الموت كُتِب على الناس كلهم إلا علينا، ونبصر القبور تملأ الأرض ولا نفكر أننا سننزل يومًا إلى القبر.
1 / 12