नूर और तितली
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
शैलियों
13
فيقول:
إننا لن ننصفه إذا جعلنا من الظروف التي عاش في ظلها وعبر فيها عن موهبته جريمة تحسب عليه. وهل كان ينبغي أن نطلب منه أن يتولى وظيفة عامل رصف للشوارع، على ما في هذه الوظيفة من نفع كبير؟
كما يقول عن جلال الدين الرومي (توفي سنة 1262م) بعد عرض قصير لشعره الصوفي: «لا يصح أن نأخذ عن هذا الروح العظيم أنه اتجه إلى الإغراب والإلغاز.»
أما عن حافظ فهو يفسر التناقض بين وظيفته الدينية وبين شعره المفعم بالبهجة بأن الشاعر في الشرق كان يمكنه في الوقت نفسه أن يكون راوية للحكايات، ولم يكن من الضروري أن يفكر في كل ما يعبر عنه ولا أن يحياه بنفسه.
مهما يكن من نفور شاعرنا من الصنعة الشكلية، فقد انجذب إلى شكل القصيدة الغزلية التي أسرف الشاعر المستشرق ركرت (1788-1866م) في كتابه «أزهار شرقية» والشاعر الرومانسي فون بلاتن (1796-1835م) في كتابه «غزليات» في محاكاتها وتقليد أوزانها وقوافيها. فنحن نجد في الديوان الشرقي غزليتين جميلتين، تكرر إحداهما (وهي بعنوان: الرضا الأسمى من كتاب التفكير) كلمة توجد في آخر كل بيت وبيت، كما تكرر الأخرى (وهي من كتاب الساقي) كلمة السكر، ومن يقرأ القصيدتين يحس بنبض التجربة الصادقة التي تطبع شعره؛ إذ لم يكن مجرد مقلد لهذا الفن الشعري كما فعل مواطناه السابقان.
وإذا كانت مثل هذه المحاولات أقرب إلى اللعب والتسلي بإظهار البراعة في الشكل، فالمؤكد أن مضمون شعر حافظ الشيرازي هو الذي أثر عليه أكبر الأثر. لقد وجد لديه نفس الموضوعات التي كانت تشغله، واستوحى شعره على طريقة بعض شعراء العصر الوسيط الذين كان يحلو لهم أن يتناولوا قصائد الحب والقصائد الشعبية المعروفة فيبدلوا كلماتها «الدنيوية» بكلمات روحية أو صوفية مع الإبقاء على شكلها ووزنها. ولو قارنا بين بعض قصائد الديوان الشرقي وبين أشعار حافظ لوجدنا أوجه شبه مذهلة في المعنى والصورة والرمز، وإن لم يمنعه هذا التقارب الشديد من المحافظة على شخصيته وأصالته. فقصيدة «حنين مبارك»، التي تعد من أهم قصائد الديوان بل من أهم قصائده على الإطلاق، مستوحاة من قصيدة مشابهة وردت في ديوان حافظ (في حرف الصاد ، الغزلية الأولى) وتقول أبياتها التي أحاول أن أنقل إليك معناها:
روحي كالشمعة تحترق بنيران الحب، بالحس الطاهر ضحيت بجسمي، بنقاء القلب، وإذا لم تصبح كفراش يشتعل بنار الوجد، فمحال أن تنجو أبدا من وهم الحب، هل يدري العامة يا حافظ ما ثمن اللؤلؤ؟ حاذر يا حافظ من أن تعطي جوهرتك إلا لمريد.
14
ويكفي أن تقرأ قصيدة «الحنين المبارك» في كتاب المغني لترى أن القصيدتين متقاربتان ومتباعدتان في آن واحد، والواقع أن هذه القصيدة هي درة أشعار الديوان ومرآة مراياه، فهي توحد بين الطريق إلى الحب - بالتضحية والفداء - والطريق إلى الله بالفناء في ذاته العلية فناء الفراشة في نور الشمعة. وهي كذلك توجه أبصارنا - وكأنها واسطة العقد - إلى كتابي العشق وزليخا من ناحية، وكتابي البارسي والفردوس من ناحية أخرى، ففي الحب تدين، وفي التدين حب.
अज्ञात पृष्ठ