لم يكن عجيبا إذن أن يشتري فكري لابنه سعيد سيارة، ولم يكن غريبا أيضا أن يختار سعيد أفخم سيارة في ذلك الحين، وقد كانت «باكار» وكان لها غطاء يرفعه عن نفسه أو يسدله كيفما يعن له.
ولكن فكري لم يقدر أن ابنه حين اشترى السيارة كان قد أعد لنفسه الوسيلة التي يموت بها.
هكذا شاء القدر ونزلت الفاجعة عليه وعلى زوجته قاصمة توشك أن تخلع جذورهما من الحياة، ولولا أن تعلقا بالإيمان، ولولا هذا اللطف الخفي الذي تبطن به السماء الفواجع؛ لكان الجنون أقل ما ينتظر الرجل الطيب وزوجته المتوكلة على الله.
وهكذا انفردت ناهد بوالديها، فكانت تصنع كل ما لا تستطيع فتاة في سنها وفي مجتمعها أن تفعله.
الملابس غاية في الفخامة، السيارة دائما من آخر طراز، الزينة يقوم بها أعظم المتخصصين، وأدوات الزينة تأتي من أعظم الأنواع، وإذا لم تسعفها بها القاهرة - وقد كانت من أعظم الأسواق العالمية - أسعفتها بها باريس أو لندن أو أي بلد في العالم.
وامتدت صداقات ناهد مع كل رواد المجتمع الذين كانوا حينذاك من بنات وأبناء الأمراء، فإن تواضعوا فمن أبناء وبنات رؤساء الوزارات أو الوزراء أو وكلاء الوزراء، وقد كان لهم في هذه الأيام دوي وطنين، ويمكن أن يكون رواد هذه المجتمعات من مجرد الأغنياء، ولكن حتم عليهم حينئذ أن يكون آباؤهم وأمهاتهم هم أنفسهم من رواد الصالونات؛ يدعون إلى بيوتهم كما يدعوهم الناس، وإلا فلا مكان لهم أو لأولادهم في هذه الأبهاء.
ولم يكن فكري ولا كانت الست وجدان ليفكرا أن يردوا هذه الصالونات، ومن المؤكد أن أحدا منهما لم يكن يفكر أن يدعو إلى مثل هذه الحفلات.
ولكن العجيب - وهذا ما جعلني أبدأ هذا الفصل - أن السيدة ناهد سيدة عجيبة في المجتمع.
كيف يسمح أبوان لا شأن لهما بصالونات المجتمع ومباذله لابنتهما أن ترود هذه المجتمعات، ولا يمنعانها.
وكيف استطاعت هذه الفتاة بمفردها، ودون عون من دعوات توجهها مثل الدعوات التي تتلقاها، أن تفرض نفسها على المجتمع بهذه القوة وهذا الجبروت؟
अज्ञात पृष्ठ